٤١٦١ - عن الحسن أن عائذ بن عمرو، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على عبيد الله بن زياد، فقال: أي بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إن شر الرعاء الحطمة، فإياك أن تكون منهم" فقال له: اجلس فإنما أنت من نخالة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فقال: وهل كانت لهم نخالة. إنما كانت النخالة بعدهم وفي غيرهم.
-[المعنى العام]-
يقول الله تعالى:{فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر}[آل عمران: ١٥٩] دستور إلهي للراعي مع الرعية، أساسه رفقه بهم، وعفوه عن مسيئهم، وإحسانه لمحسنهم، والسهر على رعاية مصالحهم.
إن الحكم مسئولية، صغر أو كبر، وكل من له ولاية على غيره له حكم عليه، ولو كانت الولاية على واحد، فكلكم راع، وكل راع مسئول عن رعيته، فالحاكم الأعلى راع، وهو مسئول عن رعيته، مسئول في الدنيا من الرعية، تحاسبه بالمعروف، ويذكره العلماء بحقوق شعبه، وينصحونه بالرفق، والدين النصيحة، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله، ولخاصة المؤمنين وعامتهم، ومسئول في الآخرة عند ربه، وإن الله سائل كل راع عما استرعاه، حفظ أم ضيع، فإن كان قد أطاع الله في رعيته، وحكم فيهم بعدل الله، كرمه ربه أمام الخلائق، وأجلسه على منبر من نور على يمين الرحمن، وأظله الله في الموقف العظيم في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
والرجل في بيته راع وهو مسئول دنيا وأخرى عن زوجه وأولاده وأحفاده والأقربين، والمرأة في بيت زوجها راعية ومسئولة عن حقوق زوجها وأولادها، والخادم في بيت سيده راع ومسئول عن حقوق سيده، فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته.
وقد شاءت حكمة الله تعالى أن تمنح بعض الجزاء عن الخير في الدنيا للمحسن، وما عند الله خير وأبقى، وأن تصيب العاصي المسيء بعض البلايا في الدنيا، وعذاب الآخرة أشد وأبقى، والجزاء من جنس العمل، فمن يسر على مسلم يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن أعان مسلما أعانه الله في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ولي من أمر الأمة شيئا فرفق بهم رفق الله به في الدنيا والآخرة، وفي المقابل من شاق على رعيته شاق الله عليه، ومن عسر أمور رعيته عسر الله أموره، وما من عبد يسترعيه الله رعية، فيهملها [كما يهمل راعي الغنم غنمه، لا يوردها طعامها وشرابها وصالحها] ويظلمها ويستولى على أموالها ومواردها ويستغلها لمصالحه، ولا يقيم حدود الله فيها، ولا يجتهد جهده في إدارة شئونها إلا جاء يوم القيامة، يريد دخول الجنة معها، فيمنع من دخولها بل يمنع عنها من بعيد حتى لا يجد ريحها الطيب ونسيمها العليل.