يريبك، فهم يعلمون علما لا ريب فيه تحريم الرشوة، وهم يبتعدون عنها، لكنهم قد يخفى عليهم أن من الهدايا ما له حكم الرشوة، وهدف الرشوة، فيحسنون الظن بأنفسهم ويقبلونها على أساس أنهم لن يتأثروا بها في إحقاق الحق وإبطال الباطل، لكن سد منافذ الحرام هدف من مقاصد الشريعة.
هذا الصحابي ابن اللتبية يبعثه صلى الله عليه وسلم إلى قومه بني سليم، ليجمع منهم الزكاة، ويعود بها إلى بيت المال، فيرجع معه كثير من الإبل والبقر والغنم والحنطة والشعير والأموال، فيرسل إليه صلى الله عليه وسلم من يحاسبه، ويتسلم منه ما جاء به، ليوصله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقوم بتصريفه في مصارف الزكاة.
إن رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمون أن ابن اللتبية لم يكن قبل سفره يملك ناقة أو جملا أو شاة، فجميع ما في بيته جاء به من هناك، وما تاجر، وما تكسب، تصوروا أن ابن اللتبية سيسلمهم كل ما في الدار، فإذا به يوزع ما يرون، يقول: هذا البعير لكم، وهذا لي، وهذه الشياة لكم وهذه لي، وهذه الحبوب لكم، وهذه لي، فقالوا له: من أين لك هذا؟ وأنت لم تكن تملكه؟ ولم تتكسبه في سفرك، فقال لهم: هذه هدايا أهديت إلي، فجاؤوا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وذكروا له ما سمعوا، واستعادوا من ابن اللتبية ما قال، فأعاد، فقال له صلى الله عليه وسلم: هلا جلست في بيت أبيك وأمك لترى أيهدى إليك أم لا؟ إن هذه الهدايا من أجل ولايتك التي وليناك، فهي حق للمسلمين لا لك، وقام صلى الله عليه وسلم على المنبر يخطب في الناس يقول: لا يليق بالعامل الذي نبعثه أن يرجع فيقول: هذا لكم وهذا أهدي إلي، فإنه لو جلس في بيت أبيه وأمه لم يكن ليهدى إليه ما أهدي إليه وهو عاملنا، إنه بذلك يمتلك ما هو محرم عليه، وسيجيء يوم القيامة حاملا على عنقه ما يدعي أنه هدية، سواء كانت ناقة أو بقرة أو شاة.
احذروا معشر العمال الذين أوليهم ما يوليني الله أن تكتموا عني خيطا فما فوقه، من استعملناه على عمل فليجئ بقليله وكثيره، فما أعطيناه بطيب نفس بورك له فيه، وما لم نعطه لا يأخذه، فهو قطعة من النار، وبهذا أصبحت الولاية مسئولية ثقيلة خطيرة، يترفع عنها من يحرص على النجاة.
-[المباحث العربية]-
(استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الأسد) السين والتاء للصيرورة، أي صيره وجعله عاملا له على عمل من الأعمال العامة، وهو هنا جمع الصدقات من بني سليم وتسليمها لبيت المال، والأسد بإسكان السين، ويقال له: الأزد بالزاي بدل السين، وجاء في البخاري "رجلا من بني أسد" بسكون السين. قال الحافظ ابن حجر: كذا وقع هنا، وهو يوهم [قراءة] أنه بفتح السين، نسبة إلى بني أسد بن خزيمة، القبيلة المشهورة، أو إلى بني أسد بن عبد العزى، بطن من قريش، وليس كذلك، قال: وإنما قلت: إنه يوهمه لأن الأزدي تلازمه الألف واللام في الاستعمال، أسماء وأنسابا، بخلاف "بني أسد" فبغير ألف ولام في الاسم، ووقع في رواية الأصيلي هنا "من بني الأسد" بزيادة الألف واللام، ولا