وكان عبد الله بن حنظلة يأخذ بيعة الناس على الطاعة له، وخلع يزيد بن معاوية، وذلك أن يزيد بن معاوية كان قد عين على المدينة ابن عمه عثمان بن محمد بن أبي سفيان أميرا، فأوفد هذا الأمير إلى يزيد جماعة من أهل المدينة، منهم عبد الله بن حنظلة في آخرين، فأكرمهم يزيد، لكن لما رجعوا عابوه ونسبوه إلى شرب الخمر وغير ذلك، ثم وثبوا على الأمير عثمان فأخرجوه من المدينة، وخلعوا يزيد بن معاوية، وكان الأمير على الأنصار عبد الله بن حنظلة، وعلى قريش عبد الله بن مطيع، وعلى غيرهم من القبائل معقل بن يسار، فكان عبد الله بن حنظلة في هذا الوقت يأخذ البيعة لنفسه، ويستعد بأتباعه لحرب يزيد بن معاوية، ولما بلغ ذلك يزيد جهز إليهم جيشا بقيادة مسلم بن عقبة المري وأمره أن يدعوهم ثلاثا، فإن رجعوا، وإلا قاتلهم، فإن هزمهم استباح المدينة للجيش ثلاثا، ثم كف عنهم، فوصل إليهم، فحاربوه، فانهزموا، وقتل ابن حنظلة، وفر ابن مطيع، وأباح مسلم بن عقبة المدينة ثلاثا.
-[فقه الحديث]-
لهذه الأحاديث علاقة وثيقة بغزوة الحديبية، وقد تعرضنا لكثير من مسائلها هناك، وقد ذكر أهل المغازي السبب في بيعة الرضوان، فقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل بالحديبية أحب أن يبعث إلى قريش رجلا يخبرهم بأنه إنما جاء معتمرا، فدعا عمر ليبعثه، فقال والله لا آمنهم على نفسي، فدعا عثمان، فأرسله، وأمره أن يبشر المستضعفين من المؤمنين بالفتح القريب، وأن الله سيظهر دينه، فتوجه عثمان، فوجد قريشا نازلين ببلدح، قد اتفقوا على أن يمنعوا النبي صلى الله عليه وسلم من دخول مكة، فأجاره أبان بن سعيد بن العاص، وبعثت قريش بديل بن ورقاء وسهيل بن عمرو إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد مضت القصة مطولة في غزوة الحديبية، وآمن الناس بعضهم بعضا، وبينما هم في انتظار الصلح، إذ رمى رجل من أحد الفريقين رجلا من الفريق الآخر، فقامت معركة، وتراموا بالنبال والحجارة، فارتهن كل فريق من عندهم، وأشيع أن عثمان قتل، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة، وهو نازل تحت الشجرة التي كان يستظل بها، فبايعوه على أن لا يفروا حتى النصر أو الموت، وألقى الله الرعب في قلوب الكفار، فأذعنوا إلى المصالحة.
وفي فضل أصحاب الشجرة يقول الله تعالى:{لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا}[الفتح: ١٨].
وفي روايتنا الخامسة يقول صلى الله عليه وسلم لأهل الشجرة "أنتم اليوم خير أهل الأرض" وعند أحمد بإسناد حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: "أوقدوا واصطنعوا، فإنه لا يدرك قوم بعدكم صاعكم ولا مدكم" وعند مسلم من حديث جابر مرفوعا "لا يدخل النار من شهد بدرا والحديبية" وعنده أيضا "لا يدخل النار أحد من أصحاب الشجرة".
وتمسك به بعض الشيعة في تفضيل علي، على عثمان، لأن عليا كان من جملة من خوطب بذلك، وممن بايع تحت الشجرة، وكان عثمان حينئذ غائبا، وهذا التمسك باطل،