فقال:"ويحك إن شأن الهجرة لشديد. فهل لك من إبل؟ " قال: نعم. قال:"فهل تؤتي صدقتها" قال: نعم. قال:"فاعمل من وراء البحار فإن الله لن يترك من عملك شيئا".
٤٢٤٠ - -/- وفي رواية عن الأوزاعي بهذا الإسناد مثله، غير أنه قال:"إن الله لن يترك من عملك شيئا" وزاد في الحديث قال: "فهل تحلبها يوم وردها" قال: نعم.
-[المعنى العام]-
تحمل المسلمون الأولون الأذى من أهليهم الكافرين ليردوهم عن دينهم، فكان أن أذن لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى الحبشة مرتين، فرارا بدينهم، فلما فتحت دار الهجرة صدرها للإسلام، وتعهد الأنصار بحماية الرسول صلى الله عليه وسلم وحماية دعوته اقتضت الحكمة أن يتجمع المهاجرون في المدينة، يأخذون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ينزل عليه من التشريع أولا بأول، ولتتكتل القوة، وتنمو في مكان واحد، حتى يمكنها بعد ذلك الانطلاق من نقطة الارتكاز، ففرضت هجرة من أسلم من دار الكفر إلى المدينة، هجرة يتخلى بها عن أهله وداره وماله ابتغاء مرضاة الله، هجرة وصف فيها بالفقر وإن كان قبلها من الأثرياء، حتى قال الله فيهم:{للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون}[الحشر: ٨] وكان لهذه الهجرة أجر عند الله عظيم، ولما كانت تبعاتها كبيرة وخطيرة، وكان بعض من هاجر يصعب عليه تحملها، وربما ضعفت نفسه أمام واجباتها، فرض على المهاجر أن لا يرجع لاستيطان وطنه الأول. ظل هذان المبدآن واجبين -الهجرة من دار الكفر، وعدم العودة إلى بلده للاستيطان- حتى فتحت مكة، ودخل الناس في دين الله أفواجا، وأصبح الإسلام منتشرا في معظم مناطق الجزيرة العربية، ولم يعد في حاجة إلى نقطة تجمع وارتكاز، فانقطعت الهجرة بمعناها السابق، وتحولت مبايعة الرسول صلى الله عليه وسلم لمن يريدون الدفاع عن الإسلام من مبايعة على الهجرة إلى مبايعة على الإسلام والجهاد والخير، وباب الجهاد مفتوح لكل المسلمين، وجهاد النفس والشيطان مفتوح لأهل البادية وأهل الحضر على السواء، ولن يضيع الله أجر من أحسن عملا.
-[المباحث العربية]-
(ارتدت على عقبيك؟ تعربت) العقب مؤخر القدم، يقال: ارتد على عقبه إذا رجع على الطريق الذي جاء منه سريعا، ويقال: تعرب أي أقام بالبادية بعد أن هجرها.
وكان سلمة بن الأكوع قد تحول من المدينة إلى الربذة بعد قتل عثمان، وتزوج بها، وولد له، حتى كان قبل أن يموت بليال نزل إلى المدينة، فمات بها. مات سنة أربع وسبعين على الصحيح. قال النووي: ولعل سلمة رجع إلى غير وطنه، وسيأتي مزيد لحكم أمثاله في فقه الحديث.