"أنه صلى الله عليه وسلم يبايعهن وبين يديه وأيديهن ثوب مطوي" ويحتمل أنهن كن يشرن بإيديهن عند المبايعة بلا مماسة. وأخرج ابن سعد وابن مردويه "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بايع النساء دعا بقدح من ماء، فغمس يده فيه، ثم يغمس أيديهن فيه" والله أعلم بصحة هذا الخبر. لكن الأشهر المعول عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصافح بيده امرأة قط، إلا امرأة يملكها، كما جاء في الصحيح، وعند أحمد والنسائي وابن ماجه والترمذي وصححه أنهن بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلن:"يا رسول الله. ألا تصافحنا؟ قال: إني لا أصافح النساء، إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة".
وقد روى البخاري عن أم عطية -رضي الله عنها- قالت: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ علينا "أن لا يشركن بالله شيئا" ونهانا عن النياحة، فقبضت امرأة يدها، فقالت: أسعدتني فلانة، فأريد أن أجزيها" وللنسائي "فأذهب، فأسعدها، ثم أجيئك، فأبايعك، قال: فاذهبي، فأسعديها، قالت: فذهبت، فساعدتها، ثم جئت، فبايعت" قال النووي: هذا محمول على أن الترخيص لأم عطية في آل فلان خاصة، ولا تحل النياحة لها ولا لغيرها في غير آل فلان، كما هو ظاهر الحديث، وللشارع أن يخص من العموم من شاء بما شاء. اهـ. كذا قال. قال الحافظ ابن حجر: وفيه نظر، إلا إن ادعى أن الذين ساعدتهم لم يكونوا أسلموا، وفيه بعد، وإلا فليدع مشاركتهم لها في الخصوصية، وقد شذ من قال: إن النياحة ليست بحرام، إلا إن صاحبها شيء من أفعال الجاهلية، من شق جيب وخمش خد ونحو ذلك، والأحاديث الواردة في الوعيد الشديد على النياحة ترده، وتؤكد شدة التحريم، وهو مذهب العلماء كافة، لكن لا يمتنع أن يكون النهي أولا ورد بكراهة التنزيه، ثم لما تمت مبايعة النساء وقع التحريم، فيكون الإذن لمن ذكر وقع في الحالة الأولى لبيان الجواز، ثم وقع التحريم، فورد حينئذ الوعيد الشديد. اهـ. ومال الحافظ ابن حجر إلى هذا الاحتمال، واجتهد في رد الاحتمالات الأخرى.
وعندي أن الخصوصية للتأليف في أول التشريع أقرب الاحتمالات، كما قال النووي، والاحتمال الذي مال إليه ابن حجر بعيد، إذ لو كان النهي للتنزيه ما دخل في البيعة التي اقتصرت على أهم الأمور.