(كان ينهي) هذا التعبير يفيد تكرار النهي، لما فيه من الجمع بين الماضي المفيد لوقوع الحدث في الزمن الماضي، والمضارع المفيد لوقوع الحدث في الحال والاستقبال، وهي من الرواية بالمعنى، إذ اللفظ "لا تسافروا بالقرآن" كما في ملحق الرواية الثانية.
(أن يسافر بالقرآن) بالبناء للمجهول، والمراد من القرآن المصحف كله، أو جزؤه، وليس المقصود القرآن المحفوظ، إذ لم يقل أحد: إن من يحسن القرآن وبحفظه لا يغزو العدو في دارهم.
(إلى أرض العدو) أي الأرض التي هي تحت سيطرة العدو، وحكمه.
(مخافة أن يناله العدو) هذه العبارة رواها مسلم والنسائي وابن ماجه مرفوعة، لكن أكثر رواة مالك جعلوها من كلام مالك، مدرجة، وهو غلط، وفي ملحق الرواية الثانية "فإني لا آمن أن يناله العدو" وفي الملحق الثاني "فإني أخاف". قال الحافظ ابن حجر: ولعل مالكا كان يجزم به، ثم صار يشك في رفعه، فجعله من تفسير نفسه.
-[فقه الحديث]-
قال ابن عبد البر: أجمع الفقهاء أن لا يسافر بالمصحف في السرايا والعسكر الصغير المخوف عليه، واختلفوا في الكبير المأمون عليه، فمنع مالك أيضا -وجعل النهي مطلقا، وتبعه بعض الشافعية- وفصل أبو حنيفة بين أن يدخل في جيش المسلمين الظاهرين على العدو، فلا كراهة، وبين السرايا المعرضة لقهر العدو، فيكره. وحكى ابن المنذر عن أبي حنيفة الجواز مطلقا، والصحيح عنه التفصيل، أما الشافعية فقد أداروا الحكم والكراهة مع الخوف وجودا وعدما، فإن أمنت هذه العلة فلا كراهة، وإلا كره.
وعبارة الراوي "أيوب" في ملحق الرواية الثانية توهم أن الخوف من قراءتهم له، ومجادلتهم لنا به، وليس كذلك، فنحن نجادلهم به، ونسمعهم إياه، ولا نخاف أن يحفظوا، ولا أن يجادلوا. وإنما الخوف من إهانتهم للمصحف الشريف.
نعم منع مالك من أن يتعلم الكافر القرآن، قليله وكثيره، وأجازه الحنفية مطلقا، وفصل بعض المالكية بين القليل والكثير، فأجازوا القليل لأن فيه قيام الحجة عليهم، ومنعوا الكثير، وللشافعية قولان.
أما الكتابة إلى الكفار بآية أو آيات فقد نقل النووي الاتفاق على جوازها، قال: والحجة فيه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل.
ثم قال: قال القاضي: وكره مالك وغيره معاملة الكفار بالدراهم والدنانير التي فيها اسم الله تعالى وذكره.