فيحتمل المؤاخذة على العزم فيه، ويمكن أن يلحق به من عزم على المعصية قاصدا الاستخفاف بالمعاصي، وهو ملحظ حسن.
وفرقة تستثني منه العزم على المعاصي التي محلها القلب، ولا تتعلق بفعل خارجي، كالكبر والعجب والمكر والحسد والظن، والتحقيق أن المؤاخذ عليه في مثل هذه الأمور إنما هو تناول الأسباب المكتسبة المؤدية إليها، والآثار الخارجية المترتبة عليها، يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:"ثلاث لا يسلم منها أحد: الطيرة، والظن، والحسد، قيل: فما المخرج منهن يا رسول الله؟ قال: إذا تطيرت فلا ترجع، وإذا ظننت فلا تحقق، وإذا حسدت فلا تبغ".
"أما بعد" ففي هذه الأحاديث موضوع البحث أحاديث قدسية، وأحاديث نبوية، وقد قيل في الفرق بينهما: إن الحديث القدسي لفظه ومعناه من عند الله، والحديث النبوي لفظه من عند الرسول صلى الله عليه وسلم ومعناه من عند الله، وأن الحديث القدسي يسند إلى الله تعالى فيقال عنه: قال الله تعالى، والحديث النبوي يسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
والفرق بين القرآن الكريم والحديث القدسي -بناء على هذا- أن القرآن متواتر يكفر من جحد شيئا منه، بخلاف الحديث القدسي، وأن القرآن قصد بلفظه التحدي والإعجاز بخلاف الحديث القدسي، وإن كان في أعلى درجات البلاغة، وأن القرآن يتعبد بقراءته في الصلاة وغيرها بخلاف الحديث القدسي.
-[ويؤخذ من مجموعة أحاديث الباب]-
١ - أن المؤاخذة إنما تقع لمن هم على المعصية، فشرع فيها، لا من هم بها ولم يتصل بها العمل، ولو كان لمانع خارج عن إرادته، كمن قصد امرأة يزني بها، فلم تحضر، أو جاءه من يخلف موعده.
٢ - أن من تركها خوف الله كتبت له حسنة، أخذا من قوله في الرواية الخامسة، "وإن تركها فاكتبوها له حسنة، إنما تركها من جراي" وفي رواية البخاري: "وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة".
٣ - فيها دليل على أن الملك يطلع على ما في قلب الآدمي، ليكتب الحسنة إذا هم بها، وذلك إما بإطلاع الله إياه، أو بأن يخلق له علما يدرك به ذلك.
يؤيد الأول ما أخرجه ابن أبي الدنيا، عن أبي عمران الجوني قال:"ينادي الملك: اكتب لفلان كذا كذا، فيقول: يا رب إنه لم يعمله. فيقول: إنه نواه".
٤ - إن الهم بالحسنة يكتب حسنة كاملة، لأن إرادة الخير خير، ولا يقال: إذا كانت إرادة الحسنة حسنة فلم لم تضاعف والله يقول: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها}[الأنعام: ١٦٠]؟ لأنا نقول إن ذلك التضعيف خاص بأعمال الجوارح، لأن الله تعالى يقول:{من جاء بالحسنة} والمجيء بها هو العمل، وإلا لزم مساواة من نوى الخير بمن فعله.