قال النووي: في هذه الأحاديث صرائح الأدلة في عظيم فضل الشهادة، وضمان الجنة للشهيد، قال القاضي: يحتمل أن يدخل عند موته الجنة، كما قال تعالى في الشهداء {أحياء عند ربهم يرزقون} وفي الحديث "أرواح الشهداء في الجنة" ويحتمل أن يكون المراد دخوله الجنة عند دخول السابقين والمقربين بلا حساب ولا عذاب ولا مؤاخذة بذنب، وتكون الشهادة مكفرة لذنبه، كما في رواياتنا السادسة عشرة والسابعة عشرة والثامنة عشرة. وقال ابن بطال عن حديث تمني الشهداء العودة إلى الدنيا والشهادة مرات: هذا أجل ما في فضل الشهادة، قال: وليس في أعمال البر ما تبذل فيه النفس غير الجهاد، فلذلك عظم فيه الثواب.
وقال النووي عن أحاديث جرح الشهيد ودمه: فيه دليل على أن الشهيد لا يزول عنه الدم بغسل ولا غيره. والحكمة في مجيئه يوم القيامة على هيئته أن يكون معه شاهد فضيلته، وبذله نفسه في طاعة الله تعالى. قال الحافظ ابن حجر: وفي هذا المأخذ وهذه الحكمة نظر، لأنه لا يلزم من غسل الدم في الدنيا أن لا يبعث كذلك، ويغني عن الاستدلال لترك غسل الشهيد في هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم في شهداء أحد: زملوهم بدمائهم".
وأما عن فضل الإصابة في القتال
فتقول روايتنا الأولى "والذي نفس محمد بيده، ما من كلم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة كهيئته حين كلم، لونه لون دم، وريحه مسك" وفي الرواية الثالثة "لا يكلم أحد في سبيل الله -والله أعلم بمن يكلم في سبيله- إلا جاء يوم القيامة، وجرحه يثعب، اللون لون دم، والريح ريح المسك" وفي الرواية الرابعة "كل كلم يكلمه المسلم في سبيل الله، ثم تكون يوم القيامة كهيئتها إذا طعنت، تفجر دما، اللون لون دم، والعرف عرف المسك" وقد مضى في المباحث العربية قول الحافظ ابن حجر في ذلك.
-[ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم]-
١ - من قوله في الرواية الأولى "لا يخرجه إلا جهادا في سبيلي، وإيمانا بي وتصديقا برسلي" ومن قوله في الرواية الثانية "لا يخرجه من بيته إلا جهاد في سبيله وتصديق كلمته" ومن قوله في الرواية الثالثة "والله أعلم بمن يكلم في سبيله" وجوب الإخلاص في الخروج للجهاد، وأن الثواب المذكور فيه إنما هو لمن أخلص فيه، وقاتل لتكون كلمة الله هي العليا.
٢ - وأن الأعمال بالنيات.
٣ - ومن قوله في الرواية الأولى "والذي نفس محمد بيده. لولا أن يشق على المسلمين، ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبدا" ومثله في الرواية الرابعة وملحقها. يؤخذ منه شفقة الرسول صلى الله عليه وسلم على المسلمين والرأفة بهم، والسعي في زوال المكروه عنهم.
٤ - وأنه صلى الله عليه وسلم كان يترك الأفضل، مراعاة للرفق بأمته.