وحضور معركة القتال طريق إلى الجنة، وسبب لدخولها. اهـ. وفي رواية البخاري "واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف" وترجم له البخاري بباب الجنة تحت بارقة السيوف، من إضافة الصفة إلى الموصوف، أي السيوف البارقة اللامعة، كأنه أراد أن السيوف لما كانت لها بارقة كان لها أيضا ظل، وقال ابن الجوزي: المراد أن الجنة تحصل بالجهاد، والظلال جمع ظل، وإذا تدانى الخصمان صار كل منهما تحت ظل سيف صاحبه، لحرصه على رفعه عليه، ولا يكون ذلك إلا عند التحام القتال. وقال القرطبي: هذا من الكلام النفيس الجامع الموجز المشتمل على ضروب من البلاغة مع الوجازة وعذوبة اللفظ، فإنه أفاد الحض على الجهاد، والإخبار بالثواب عليه، والحض على مقاربة العدو، والاجتماع واستعمال السيوف حين الزحف، حتى تصير السيوف تظل المتقاتلين.
(فرجع إلى أصحابه، فقال: أقرأ عليكم السلام) المعنى أن أبا موسى الأشعري عبد الله بن قيس قال لأصحابه يوما في معركة من المعارك، وربما كان قائدا لجيشه، قال لهم مثيرا غيرتهم وشجاعتهم، والعدو أمامهم، قال لهم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف" وسمعه أحد جنوده، فاستوثق منه، فلما وثق عزم على الهجوم والاندفاع نحو العدو، متعجلا الفوز بالشهادة، فرجع إلى أصحابه الجنود، فودعهم الوداع الأخير، وأقرأهم السلام.
(ثم كسر جفن سيفه، فألقاه)"جفن السيف" بفتح الجيم وكسرها وسكون الفاء هو غمده، وأصله غطاء العين من أعلاها وأسفلها، والمعنى أن الرجل نزع سيفه من غمده مقررا عدم عودة سيفه إلى غمده، فكسر الغمد، ورمى به.
(ثم مشى بسيفه إلى العدو، فضرب به حتى قتل) راغبا في الجنة، حريصا عليها.
(جاء ناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: أن ابعث معنا رجالا يعلمونا القرآن والسنة فبعث إليهم سبعين رجلا من الأنصار، يقال لهم: القراء) هؤلاء الناس من بني سليم، وجاء في البخاري "بعث النبي صلى الله عليه وسلم أقواما من بني سليم إلى بني عامر" قال الدمياطي: هو وهم، فإن بني سليم مبعوث إليهم. وحاول الحافظ ابن حجر توجيهه بما لا يخلو من تعسف، وظاهر هذه الرواية أن الناس كانوا مسلمين، وأن المبعوثين كانوا معلمين، هدفهم تعليم القرآن والسنة، لكن في رواية البخاري ما يشعر بأن المبعوثين كانوا من الفرسان، وكان هدفهم مددا للناس للمساعدة في قتال أعدائهم، ففيه "بعث النبي صلى الله عليه وسلم سبعين رجلا لحاجة، يقال لهم: القراء" فسر قتادة الحاجة بقوله: إن رعلا وغيرهم استمدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على عدو، فأمدهم بسبعين من الأنصار. وعند البخاري أيضا "إن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه رعل وذكوان وعصية فزعموا أنهم أسلموا، واستمدوا على قومهم" قال الحافظ ابن حجر: ويحتمل أنه لم يكن استمدادهم لهم لقتال عدو، وإنما هو للدعاء إلى الإسلام. وقد أوضح ذلك ابن إسحق، قال: قدم أبو براء، عامر بن مالك، المعروف بملاعب الأسنة، على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض عليه الإسلام، فلم يسلم ولم يبعد، وقال: يا محمد، لو بعثت رجالا من أصحابك إلى أهل نجد رجوت أن يستجيبوا لك، وأنا جار لهم، فبعث المنذر بن عمرو في أربعين رجلا، منهم الحارث بن الصمة، وحرام