(فقال له أنس: يا أبا عمرو، أين؟ ) أي إلى أين تمضي يا سعد وتفر؟ وكأن سعدا لم يجب، فأكمل أنس الكلام.
(فقال: واها لريح الجنة! أجده دون أحد)"واها" كلمة تحنن وتلهف، أي أحن إلى ريح الجنة، وأتلهف عليها، وفي رواية البخاري "إني أجد ريح الجنة دون أحد" قال ابن بطال وغيره: يحتمل أن يكون على الحقيقة، وأنه وجد ريح الجنة حقيقة، أو وجد ريحا طيبة، ذكره طيبها بطيب ريح الجنة، ويجوز أن يكون أراد أنه استحضر الجنة التي أعدت للشهيد، فتصور أنها في ذلك الموضع، فاشتاق لها، أي إني لأعلم أن الجنة تكتسب في هذا الموضع، فاشتاق إليها. ومال النووي إلى القول الأول، فقال: وقد ثبتت الأحاديث أن ريحها توجد من مسيرة خمسمائة عام. اهـ. وفي رواية البخاري "الجنة ورب النضر" كأنه يريد والده، ويحتمل أنه يريد ابنه، فإنه كان له ابن يسمى النضر، وكان إذ ذاك صغيرا وفي رواية "فقال سعد: أنا معك".
(فقاتلهم حتى قتل) وفي رواية البخاري "قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع" أي فما استطعت أن أصنع ما صنع من الإقدام والصبر على الأهوال.
(فوجد في جسده بضع وثمانون، من بين ضربة وطعنة ورمية) في رواية "ضربة بالسيف، أو طعنة بالرمح، أو رمية بالسهم" و"أو" فيها ليست للشك، بل هي للتقسيم، وفي رواية "ووجدناه قد مثل به المشركون" من المثلة، وهي قطع الأعضاء من أنف وأذن ونحوها.
(قال: فقالت أخته، عمتي الربيع بنت النضر) أي قال أنس بن مالك: فقالت أخت عمي أنس بن النضر وهي الربيع بنت النضر.
(فما عرفت أخي إلا ببنانه) أي بطرف أصبعه، والظاهر أن طرف أصبع من أصابعه كان مقطوعا قطعا قديما، وفي رواية للبخاري "فما عرف حتى عرفته أخته بشامة، أو ببنانه، بالشك، والثاني هو المعروف.
(ونزلت هذه الآية {رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا} قال: فكانوا يرون أنها نزلت فيه وفي أصحابه) صدر الآية {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} من الثبات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنس بن النضر، وفي الكشاف: نذر رجال من الصحابة أنهم إذا لقوا حربا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثبتوا وقاتلوا حتى يستشهدوا، أي نذروا الثبات التام والقتال الذي يفضي بحسب العادة إلى نيل الشهادة، وهم عثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وحمزة، ومصعب بن عمير، وغيرهم {فمنهم من قضى نحبه} تفصيل لحال الصادقين، وتقسيم لهم إلى قسمين، والنحب النذر المحكوم بوجوبه، وشاع بمعنى الموت، والمعنيان هنا مستقيمان {ومنهم من ينتظر} يوما يجاهد فيه، ويكون فيه نحبه، ويوفي فيه بنذره وعهده {وما بدلوا تبديلا} أي وما بدلوا عهدهم، وما غيروه أصلا، ولا وصفا،