قال النووي: الصواب الذي لا يجوز غيره في معنى الحديث أن الغزاة إذا سلموا، أو غنموا، يكون أجرهم أقل من أجر من لم يسلم، أو سلم ولم يغنم، وأن الغنيمة هي في مقابلة جزء من أجر غزوهم، فإذا حصلت لهم فقد تعجلوا ثلثي أجرهم المترتب على الغزو، وتكون هذه الغنيمة من جملة الأجر، قال: وهذا موافق للأحاديث الصحيحة المشهورة عن الصحابة، كقوله "منا من مات ولم يأكل من أجره شيئا، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها" أي يجتنيها. فهذا الذي ذكرنا هو الصواب، وهو ظاهر الحديث، ولم يأت حديث صريح صحيح يخالف هذا، فتعين حمله على ما ذكرنا، وقد اختار القاضي عياض معنى هذا الذي ذكرناه، بعد حكايته في تفسيره أقوالا فاسدة، منها: قول من زعم أن هذا الحديث ليس بصحيح، ولا يجوز أن ينقص ثوابهم بالغنيمة، كما لم ينقص ثواب أهل بدر، وهم أفضل المجاهدين، وهي أفضل غنيمة، قال: وزعم بعض هؤلاء أن أبا هانئ حميد بن هانئ راو مجهول، ورجحوا الحديث السابق في أن المجاهد يرجع بما نال من أجر وغنيمة، فرجحوه على هذا الحديث لشهرته، وشهرة رجاله، ولأنه في الصحيحين، وهذا في مسلم خاصة، وهذا القول باطل من أوجه، فإنه لا تعارض بينه وبين هذا الحديث المذكور، فإن الذي في الحديث السابق رجوعه بما نال من أجر وغنيمة، ولم يقل: إن الغنيمة تنقص الأجر أم لا، ولا قال: أجره كأجر من لم يغنم، فهو مطلق، وهذا مقيد، فوجب حمله عليه.
وأما قولهم: أبو هانئ مجهول فغلط فاحش، بل هو ثقة مشهور، روى عنه الليث بن سعد وحيوة وابن وهب وخلائق من الأئمة، ويكفي في توثيقه احتجاج مسلم به في صحيحه.
وأما قولهم: ليس في الصحيحين فليس لازما في صحة الحديث كونه في الصحيحين، ولا في أحدهما.
وأما قولهم في غنيمة بدر، فليس في غنيمة بدر نص أنهم لو لم يغنموا لكان أجرهم على قدر أجرهم بحاله من غير زيادة، وكونهم مغفورا لهم، مرضيا عنهم، ومن أهل الجنة لا يلزم منه ألا تكون وراء هذا مرتبة أخرى، هي أفضل منه، مع أنه شديد الفضل، عظيم القدر. ثم ذكر النووي قولين فاسدين سبق ذكرهما في باب فضل الجهاد عند شرح نقطة اختلاف العلماء في أجر المجاهد يرجع بغنيمة، أو يرجع بدون غنيمة، فلتراجع.