(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدخل على أم حرام بنت ملحان)"أم حرام" بفتح الحاء والراء، "بنت ملحان" بكسر الميم وسكون اللام، وهي خالة أنس -رضي الله عنهما- كما جاء في الرواية الثانية والثالثة والرابعة، ويقال لها: الرميصاء، ويقال لأم سليم الغميصاء، وقيل: بالعكس، والرمص والغمص متقاربان، وهو اجتماع القذى في مؤخر العين وفي هدبها، وقيل: استرخاؤها وانكسار الجفن.
قال النووي: واتفق العلماء على أنها كانت محرما له صلى الله عليه وسلم، واختلفوا في كيفية ذلك، فقال ابن عبد البر: أظن أن أم حرام أرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أختها أم سليم، فصارت كل منهما أمه أو خالته من الرضاعة، فلذلك كان ينام عندها، وتنال منه ما يجوز للمحرم أن يناله من محارمه، وقال بعضهم: إنما كانت خالته لأبيه أو جده عبد المطلب، وقال ابن الجوزي: سمعت بعض الحفاظ يقول: كانت أم سليم أخت آمنة بنت وهب، أم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، قال ابن عبد البر: وأيهما كان فهي محرم له.
وقال بعضهم: لم تكن أم حرام محرما له صلى الله عليه وسلم، ولكن من خصوصياته صلى الله عليه وسلم ذلك، لأنه كان يملك إربه عن زوجته، فكيف عن غيرها مما هو المنزه عنه، وهو المبرأ عن كل فعل قبيح، وعن قول الرفث، ورد القاضي عياض هذا القول بأن الخصائص لا تثبت بالاحتمال، وثبوت العصمة مسلم، لكن الأصل عدم الخصوصية، وجواز الاقتداء به في أفعاله حتى يقوم على الخصوصية دليل، ومال الحافظ ابن حجر إلى هذا القول، فقال: وأحسن الأجوبة دعوى الخصوصية، ولا يردها كونها لا تثبت إلا بدليل، لأن الدليل على ذلك واضح، وبالغ الدمياطي في الرد على من ادعى المحرمية، فقال: ذهل كل من زعم أن أم حرام إحدى خالات النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة أو من النسب، وكل من أثبت لها خؤولة تقتضي المحرمية، لأن أمهاته صلى الله عليه وسلم من النسب، واللاتي أرضعنه معلومات، ليس فيهن أحد من الأنصار البتة، سوى أم عبد المطلب، ثم قال: وإذا تقرر هذا فقد ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يدخل على أحد من النساء إلا على أزواجه، وإلا على أم سليم، فقيل له؟ فقال: أرحمها، قتل أخوها معي، يعني "حرام بن ملحان" وكان قد قتل يوم بئر معونة، وقد جمع الحافظ ابن حجر بين ما أفهمه هذا الحصر في الصحيح وبين ما دل عليه حديث الباب في أم حرام، فقال ما حاصله: إنهما أختان كانتا في دار واحدة، وكانت كل واحدة منهما في بيت من تلك الدار، وحرام بن ملحان أخوهما معا، فالعلة مشتركة فيهما، وقد انضم إلى العلة المذكورة -علة الرحمة- كون أنس خادم النبي صلى الله عليه وسلم وقد جرت العادة بمخالطة المخدوم خادمه وأهل خادمه، ورفع الحشمة التي تقع بين الأجانب عنهم.
ثم قال الدمياطي: على أنه ليس في الحديث ما يدل على الخلوة بأم حرام، ولعل ذلك كان مع ولد أو خادم أو زوج أو تابع، قال الحافظ ابن حجر: وهو احتمال قوي، لكنه لا يدفع الإشكال من أصله، لبقاء الملامسة في تفلية الرأس وكذا النوم في الحجر. اهـ.