بتحريمه، وقد تواردت الأخبار بذلك، والتنصيص على التحريم مقدم على عموم التحليل، وعلى القياس، وقد ورد عن ابن عباس أنه توقف في النهي عن الحمر، هل كان لمعنى خاص؟ أو للتأبيد [روايتنا الحادية عشرة] وهذا التردد أصح من الخبر الذي جاء عنه بالجزم بالعلة المذكورة. وقال الحافظ ابن حجر: وقد أزال احتمالات كونها لم تخمس، أو كانت جلالة، أو مخافة قلة الظهر حديث أنس [روايتنا الثالثة عشرة والرابعة عشرة] حيث جاء فيه "فإنها رجس" وكذا الأمر بغسل الإناء في حديث سلمة [روايتنا الثانية عشرة] قال القرطبي: قوله "فإنها رجس" ظاهر في عود الضمير على الحمر، لأنها المتحدث عنها، المأمور بإكفائها من القدور وغسلها، وهذا حكم المتنجس، فيستفاد منه تحريم أكلها، وهو دال على تحريمها لعينها، لا لمعنى خارج، وقال ابن دقيق العيد: الأمر بإكفاء القدور ظاهر أنه سبب تحريم لحم الحمر، وقد وردت علل أخرى، إن صح رفع شيء منها وجب المصير إليه، لكن لا مانع أن يعلل الحكم بأكثر من علة، وحديث أبي ثعلبة [روايتنا الثانية] صريح في التحريم، فلا معدل عنه.
وأما التعليل بخشية قلة الظهر فأجاب عنه الطحاوي بالمعارضة بالخيل، فإن في حديث جابر [روايتنا الخامسة عشرة والسادسة عشرة] النهي عن الحمر، والإذن في الخيل، مقروناً، فلو كانت العلة لأجل الحمولة لكانت الخيل أولى بالمنع، لقلتها عندهم، وعزتها، وشدة حاجتهم إليها.
والجواب عن آية الأنعام {قل لا أجد في ما أوحي إلي محرماً .... } أنها مكية، وخبر التحريم متأخر جداً، فهو مقدم.
وأيضاً فنص الآية خبر عن الحكم الموجود عند نزولها، فإنه حينئذ لم يكن نزل في تحريم المأكول إلا ما ذكر فيها، وليس فيها ما يمنع أن ينزل بعد ذلك غير ما فيها، وقد نزل بعدها في المدينة أحكام بتحريم أشياء غير ما ذكر فيها، كالخمر، في آية المائدة، وفيها أيضاً تحريم ما أهل لغير الله به، والمنخنقة ... إلخ، وكتحريم السباع والحشرات، قال النووي: قال بتحريم الحمر الأهلية أكثر العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم، ولم نجد عن أحد من الصحابة في ذلك خلافاً لهم إلا عن ابن عباس.
قال الحافظ ابن حجر: وأما الحديث الذي أخرجه الطبراني عن أم نصر المحاربية "أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمر الأهلية؟ فقال: أليس ترعى الكلأ؟ وتأكل الشجر؟ قال: نعم. قال: فأصب من لحومها" وأخرجه ابن أبي شيبة بسند آخر، لكن في السندين مقال، ولو ثبتا احتمل أن يكون قبل التحريم. والله أعلم.
-[ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم]-
١ - من الرواية الأولى تحريم نكاح المتعة، وقد سبق شرح أحاديثه وإيضاح أحكامه، في أوائل كتاب النكاح تحت باب نكاح المتعة.
٢ - ومن الرواية الثانية عشرة وجوب غسل ما أصابته النجاسة.