الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه، وكم نرى في مشاهداتنا اليومية الأرنب تحمي أطفالها من البرد، بنتف جلد نفسها وشعرها، لتجعله مهاداً لجنينها قبل ولادته، وكم نرى في مشاهداتنا اليومية أمهات الحيوانات تدافع عن صغارها وتحميها من الأعداء.
أما الإنسان فقد كلف بالرحمة والإحسان، رحمة تزيد على ما في الطباع، وتوجه إلى السمو والرفعة به إلى عالم الروحانيات، بأن تكون هذه الرحمة المبذولة خالية من هدف الانتفاع الدنيوي من ورائها، رحمة دافعها الاستجابة لأمر الله، والطمع في رحمة الله ورضوانه، قال تعالى {وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة}[البلد: ٨] وقال {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن}[الإسراء: ٥٣]. {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم* وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم}[فصلت: ٣٤، ٣٥]. {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن}[العنكبوت: ٤٦]. {الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب}[الزمر: ١٨]. {إن الله يأمر بالعدل والإحسان}[النحل: ٩٠]{إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون}[النحل: ١٢٨]. {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين}[آل عمران: ١٣٤]{ءاخذين ما ءاتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين}[الذاريات: ١٦] والإحسان في كل عمل هو مراعاة جانب الرفق والإتقان، جانب التضحية والإيثار، وقد ضرب المسلمون السابقون المثل الأعلى في التراحم والإحسان، حتى نزل فيهم {والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون}[الحشر: ٩].
وقد تجاوزت الشريعة الإسلامية التراحم بين الناس إلى طلب التراحم بين البشر وبين ما حولهم من المخلوقات، فنهت عن تعذيب الحيوانات بأي نوع من أنواع التعذيب، فقد "دخلت امرأة النار في هرة حبستها حتى ماتت، لا هي أطعمتها وسقتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض" و"غفر الله لرجل سقى كلباً يلهث من شدة العطش" ونهى صلى الله عليه وسلم أن يوضع الحيوان أو الطير هدفاً وغرضاً، لتصوب إليه رميات من يتعلم الرمي، ونهى عند أن تحبس البهيمة حتى تموت وهي محبوسة، ونهى عن ذبح ما أحل ذبحه عن أن نسيء إليه قبل الذبح، وأمرنا بإحسان ذبحه، والرفق به عند قتله.
صورة رائعة من تشريع الإحسان، تجعل من قلوب البشر رقة ورحمة وشفافية ونوراً وقرباً من الملائكة، تجعل منهم أبراراً، لا يضمرون الشر، ولا يؤذون الذر، {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان}[الرحمن: ٦٠]{للذين أحسنوا الحسنى وزيادة}[يونس: ٢٦]. {وأحسنوا إن الله يحب المحسنين}[البقرة: ١٩٥].
-[المباحث العربية]-
(رأى رجلاً من أصحابه يخذف) في الرواية الثالثة أن الرجل قريب لعبد الله بن مغفل، فهو