٣ - وأما حكم الأضحية
فقد قال النووي: اختلف العلماء في وجوب الأضحية على الموسر، فقال جمهورهم: هي سنة في حقه، إن تركها بلا عذر لم يأثم، ولم يلزمه القضاء، وممن قال بهذا أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وبلال وأبو مسعود البدري وسعيد بن المسيب وعلقمة والأسود وعطاء ومالك وأحمد وأبو يوسف وإسحاق وأبو ثور والمزني وابن المنذر وداود وغيرهم.
وقال ربيعة والأوزاعي وأبو حنيفة والليث: هي واجبة على الموسر، وبه قال بعض المالكية، وقال بعضهم: تجب بشرائها بنية الأضحية، وبالتزام اللسان، وبنية الذبح.
وقال النخعي: واجبة على الموسر، إلا الحاج بمنى.
وقال محمد بن الحسن: واجبة على المقيم بالأمصار.
والمشهور عن أبي حنيفة أنه إنما يوجبها على مقيم يملك نصاباً. اهـ
قال ابن حزم: لا يصح عن أحد من الصحابة أنها واجبة، وصح أنها غير واجبة عند الجمهور، ولا خلاف في كونها من شرائع الدين.
وهي عند الشافعية والجمهور سنة مؤكدة على الكفاية، وفي وجه للشافعية من فروض الكفاية.
وقال أحمد: يكره تركها مع القدرة، وعنه وعن محمد بن الحسن: هي سنة، غير مرخص في تركها، قال الطحاوي: وبه نأخذ، وليس في الآثار ما يدل على وجوبها.
قال الحافظ ابن حجر: وأقرب ما يتمسك به للوجوب حديث أبي هريرة، رفعه "من وجد سعة، فلم يضح، فلا يقربن مصلانا" أخرجه ابن ماجه وأحمد، ورجاله ثقات، لكن اختلف في رفعه ووقفه، والموقوف أشبه بالصواب، ومع ذلك فليس صريحاً في الإيجاب. ثم قال: وقد احتج من قال بالوجوب بما أخرجه أحمد والأربعة بسند قوي عن مخنف بن سليم، رفعه "على أهل كل بيت أضحية" ولا حجة فيه، لأن الصيغة ليست صريحة في الوجوب المطلق.
واستدلوا بالأمر بالإعادة لمن ذبح قبل الصلاة، في رواياتنا، ورد بأنه لو كان الأمر بالإعادة للوجوب لتعرض إلى قيمة الأولى، ليلزم بمثلها، فلما لم يعتبر ذلك دل على أن الأمر بالإعادة كان على جهة الندب. ولا يقال: إن لفظ "مكانها" في روايتنا الأولى والثانية والثالثة، يشير إلى المماثلة، فإنه ليس نصاً في ذلك.
وقد يستدل لهم بحرص الصحابة عليها، وحرص الشارع عليها، حتى وزعها عليهم، وأمرهم بذبحها، كما في روايتنا الخامسة عشرة، وأجيب بأن ذلك دليل على تأكدها، وندبهم إليها، وإلا فقد تركها كثير منهم، وقال ابن عمر: هي سنة ومعروف، وتعمد بعضهم تركها، وهو موسر، فقد روي عن أبي مسعود الأنصاري أنه قال: إني لأدع الأضحى، وأنا موسر، مخافة أن يرى جيراني أنه حتم علي، وروي عن علقمة أنه قال: لأن لا أضحي أحب أن أراه حتماً علي. قال ابن بطال: وهكذا ينبغي للعالم الذي