للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أي بين، وشهود الحق يتبين بهم الحكم، وسمي الشهيد شهيدا من "شهد" إذا حضر، لأنه يحضر دار السلام قبل غيره، أو لأن الله شهد له بالجنة، فشهيد بمعنى مشهود له، أو لأنه يشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم على الأمم يوم القيامة، فشهيد بمعنى شاهد، وقيل: لأنه يشاهد عند موته ما أعد الله له من الكرامة، وقيل: لأن ملائكة الرحمة يشهدون فيأخذون روحه، وقيل: لأنه شهد له بالإيمان وخاتمة الخير بحسب الظاهر، وقيل: لأن عليه شاهدا يشهد بكونه شهيدا، وهو دمه، فإنه يبعث يوم القيامة وجرحه يثعب دما.

-[فقه الحديث]-

في الحديث دليل على جواز قتال المحارب، وعلى جوازه عامة العلماء، لكن الخلاف في قتالهم إذا طلبوا الشيء اليسير، كالثوب والطعام، هل يعطونه أو يقاتلون دونه؟ جمهور العلماء على جواز مقاتلة القاصد لأخذ المال بغير حق، وإن كان المال قليلا، لعموم الحديث، وشذ من أوجبه، وقال بعض المالكية: لا يجوز إذا طلب المال الخفيف، قال القرطبي: سبب الخلاف عندنا: هل الإذن في ذلك من باب تغيير المنكر، فلا يفترق الحال بين القليل والكثير؟ أو من باب دفع الضرر، فيختلف الحال. قال الأبي: والقول بمنع إعطائهم الشيء الخفيف هو المشهور.

وقال النووي: المدافعة عن المال جائزة غير واجبة، والمدافعة عن الحريم واجبة بلا خلاف، وفي المدافعة عن النفس بالقتل خلاف.

وحكى ابن المنذر عن الشافعي قال: من أريد ماله، أو نفسه، أو حريمه فله الاختيار أن يكلمه (أي يجرحه) أو يستغيث، فإن منع الصائل أو امتنع لم يكن لصاحب المال قتاله، وإلا فله أن يدفعه عن ذلك ولو أتى على نفسه وليس عليه عقل ولا دية ولا كفارة. لكن ليس له عمد قتله. اهـ.

قال ابن المنذر: والذي عليه أهل العلم أن للرجل أن يدفع عما ذكر -إذا أريد ظلما- بغير تفصيل، إلا أن كل من يحفظ عنه من علماء الحديث كالمجمعين على استثناء السلطان، للآثار الواردة بالأمر بالصبر على جوره وترك القيام عليه.

وفرق الأوزاعي بين الحال التي للناس فيها جماعة وإمام، فحمل الحديث عليها، وأما في حالة الفتنة والاختلاف والفرقة والغوغاء واختلاط الأمر، فليستسلم ولا يقاتل أحدا، وإذا كان الحديث الذي معنا يعارض رأي الأوزاعي، لأن لفظه عام يشمل جميع الأحوال، فإن ما رواه أحمد من حديث ابن مسعود في الفتن يقيد هذا الحديث ويؤيد الأوزاعي، إذ فيه قلت: يا رسول الله، فما تأمرني إن أدركت ذلك؟ قال: كف يدك ولسانك وادخل دارك. قلت: يا رسول الله، أرأيت إن دخل رجل على داري؟ قال: فادخل بيتك (أي حجرتك) قال: قلت: أفرأيت إن دخل على بيتي؟ قال: فادخل مسجدك (أي الركن الذي تصلي فيه من حجرتك) - وقبض بيمينه على الكوع - وقل: ربي الله، حتى تموت على ذلك. وفي رواية

<<  <  ج: ص:  >  >>