الرواية تغيير، وصوابها "فاشربوا في الأوعية كلها" لأن الأسقية وظروف الأدم، لم تزل مباحة، مأذوناً فيها، وإنما نهي عن غيرها من الأوعية.
(كنت نهيتكم عن الأشربة في ظروف الأدم) قال القاضي: هذه الرواية فيها تغيير من بعض الرواة، وصوابه "كنت نهيتكم عن الأشربة إلا في ظروف الأدم" فحذف لفظة "إلا" التي للاستثناء، ولا بد منها.
(عن عبد الله بن عمرو) قال النووي: هكذا هو في النسخ المعتمدة ببلادنا ومعظم النسخ "عن عبد الله بن عمرو" بفتح العين، ووقع في بعضها "ابن عمر" بضم العين، قال علي الغساني: المحفوظ "ابن عمرو بن العاص" وكذا ذكره البخاري وأبو داود، وكذا ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين، ونسبه إلى رواية البخاري ومسلم، وكذا ذكره جمهور المحدثين، وهو الصحيح.
(لما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النبيذ في الأوعية) قال النووي: هذا هو الصواب، ووقع في غير مسلم "عن النبيذ في الأسقية" وكذا نقله الحميدي في الجمع بين الصحيحين. قال الحميدي: ولعله نقص منه، فيكون "عن النبيذ إلا في الأسقية".
-[فقه الحديث]-
قال النووي: كان الانتباذ في هذه الأوعية منهياً عنه في أول الإسلام، خوفاً من أن يصير مسكراً فيها، ولا نعلم بإسكاره لكثافتها، فتتلف ماليته، وربما شربه الإنسان ظاناً أنه لم يصر سكراً، فيصير شارباً للمسكر، وكان العهد قريباً بإباحة المسكر، فلما طال الزمان، واشتهر تحريم المسكر، وتقرر ذلك في نفوسهم نسخ ذلك، وأبيح لهم الانتباذ في كل وعاء، بشرط أن لا يشربوا مسكراً، وهذا صريح قوله في روايتنا الخامسة والثلاثين وما بعدها "كنت نهيتكم عن الانتباذ إلا في سقاء، فاشربوا في كل وعاء، غير ألا تشربوا مسكراً". اهـ
وهذا توجيه الشافعية ومن وافقهم، وقال الخطابي: وذهب جماعة إلى أن النهي عن الانتباذ في هذه الأدعية باق، منهم ابن عمر وابن عباس، وبه قال مالك وأحمد وإسحق. اهـ
وقال الحافظ ابن حجر: وقال الشافعي والثوري وابن حبيب من المالكية: يكره ذلك، ولا يحرم، وقال سائر الكوفيين: يباح، وعن أحمد روايتان، وقد أسند الطبري عن عمر ما يؤيد قول مالك، وهو قوله:"لأن أشرب من قمقم محمي، فيحرق ما أحرق، ويبقى ما أبقى، أحب إلي من أن أشرب نبيذ الجر" وعن ابن عباس "لا يشرب نبيذ الجر ولو كان أحلى من العسل" وأسند النهي إلى جماعة من الصحابة، وقال ابن بطال: النهي عن الأوعية إنما كان قطعاً للذريعة، فلما قالوا: لا نجد بداً من الانتباذ في الأوعية قال: انتبذوا، وكل مسكر حرام" وهكذا الحكم في كل شيء نهي عنه بمعنى النظر إلى غيره، فإنه يسقط للضرورة، كالنهي عن الجلوس في الطرقات، فلما قالوا: لا بد لنا منها، قال: