الطعام تحسينه في نظر الآكلين، وغرس الشره فيهم، ورفع البركة منه، وهذا ما أميل إليه، لأن التخويف بأكله من الطعام لا يخيف، لقلة ما يأكل، ولأنه متمكن من ذلك الطعام منذ إعداده وغرفه.
(وأنه جاء بهذه الجارية ليستحل بها، فأخذت بيدها) أي أوحي إليها، ووسوس لها، ودفعها إلى أن تمد يدها إلى الطعام، دون تسمية الله، ليتمكن منه عن طريق افتتاحها له دون تسمية، ولعل الله أراد وشاء ألا يمكن الشيطان من نزع البركة من الطعام، إلا إذا افتتح دون تسمية الله.
وظاهر هذا أن أخذه صلى الله عليه وسلم بيدها كان لعدم تسميتها، لا لأن يدها سبقت يده، صلى الله عليه وسلم، كما هو المقصود من صدر الحديث، ويمكن أن يجاب بأنه صلى الله عليه وسلم بهذا نبه على أدبين، أدب أن لا يبدأ الصغير قبل الكبير، وذلك بإمساك يدها ومنعها من البدء والتقدم، وهذا واضح الارتباط بصدر الحديث، وزاد الأدب الثاني وهو التسمية على الطعام، ولا شك أنها حتى لو قالت بسم الله الرحمن الرحيم لا تكون تسميتها في بركة تسمية الكبير، فضلاً عن تسمية رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(والذي نفسي بيده، إن يده في يدي مع يدها) أي إن يد الشيطان كانت في يدي حين أمسكت يدها، قال النووي: هكذا هو في معظم الأصول "يده في يدي مع يدها" وفي بعضها "يده في يدي مع يدهما" بالتثنية، وهي تعود إلى الجارية والأعرابي، ورواية الإفراد أيضاً مستقيمة، فإن إثبات يدها لا ينفي يد الأعرابي، وإذا صحت الرواية بالإفراد وجب قبولها، وتأويلها على ما ذكرناه. اهـ
وهل المراد من هذا التعبير حقيقته؟ أو هو كناية عن التلازم والتعاون؟ كما يقول أحد المتعاونين على حل مشكلة فكرية: يدي في يدك؟ احتمالان.
(ثم ذكر اسم الله وأكل) أي بعد أن قال عن الجارية والأعرابي ما قال، بدأ صلى الله عليه وسلم يمد يده إلى الطعام وبدأ الأكل، فبدأنا بعده.
(إذا دخل الرجل بيته، فذكر الله عند دخوله وعند طعامه) ذكر "الرجل" ليس للاحتراز، فكذلك المرأة، وإضافة "بيته" للملك أو الاختصاص، والمراد من ذكر الله التسمية وفي الكلام طي، وفيه أيضاً مجاز المشارفة، والتقدير: إذا أشرف الرجل على دخول بيته، فسمى الله تعالى عند دخوله، وإذا أشرف على طعامه فسمى الله تعالى عند مد يده إليه.
(قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء) بفتح العين، طعام الليل، أي قال لأصحابه وأعوانه من الشياطين، وهذا القول حقيقة؟ أو كناية عن إعلان التمكن؟ احتمالان، والتفصيل في "وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله، قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإذا لم يذكر الله عند طعامه، قال: أدركتم المبيت والعشاء" يدل على أن ذكر الله عند الدخول يمنع الشيطان من الدخول، فيمنعه من المبيت في البيت من باب أولى، ويمنعه من الاشتراك في الطعام في داخل البيت من باب أولى، وعدم التسمية عند الدخول، مع عدم التسمية عند الطعام تشرك الشيطان صاحب البيت في المبيت