الأصل كل ما يؤكل، وكل ما به قوام البدن، والمراد منه هنا ما يبقى أثره على اليد من الأطعمة، كالدهون والحموضة والملوحة والروائح غير المحبوبة.
(فلا يمسح يده حتى يلعقها أو يلعقها)"يلعقها" الأولى بفتح التاء، والثانية بضم الياء وكسر العين، بينهما لام ساكنة، قال النووي: معناه -والله أعلم- لا يمسح يده حتى يلعقها، فإن لم يفعل فحتى يلعقها غيره ممن لا يتقذر ذلك، كزوجة وجارية وولد وخادم يحبونه، ويلتذون بذلك، ولا يتقذرون، وكذا من كان في معناهم، كتلميذ يعتقد بركته، ويود التبرك بلعقها، وكذا لو ألعقها شاة ونحوها. اهـ
واليد في الأصل من الإنسان من المنكب إلى أطراف الأصابع، والمراد هنا جزؤها الذي يلامس الطعام من الكف والأصابع، ففي الرواية الخامسة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأكل بثلاث أصابع، فإذا فرغ -من الأكل- لعقها" وفي الرواية السادسة "أمر بلعق الأصابع" وفي الرواية العاشرة "إذا أكل أحدكم فليلعق أصابعه" وفي الرواية التاسعة "كان إذا أكل طعاماً لعق أصابعه الثلاث" وفي الرواية الرابعة "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل بثلاث أصابع، ويلعق يده -أي أصابعه- قبل أن يمسحها".
والمراد من الأصابع الثلاث الإبهام، والتي تليها، والوسطى، فعند الطبراني في الأوسط، عن كعب بن عجرة، قال:"رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل بأصابعه الثلاث، بالإبهام والتي تليها والوسطى، ثم رأيته يلعق أصابعه الثلاث قبل أن يمسحها، الوسطى، ثم التي تليها، ثم الإبهام" قال في شرح الترمذي: كأن السر فيه أن الوسطى أكثر تلويثاً، لأنها أطول، فيبقى فيها من الطعام أكثر من غيرها، ولأنها لطولها أول ما تنزل في الطعام، والمراد بلعق الأصابع لحسها باللسان، ومصها بالشفتين، والمراد بمسحها بعد اللعق إمرارها على قطعة من القماش ونحوها كالمنديل، أو إمرار القماش عليها، لإزالة ما بقي عليها، وذلك حيث لم يكن ماء ولا صابون للغسل.
(عن ابن كعب بن مالك) هكذا في الرواية الخامسة، وفي ملحقها "عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك أو عبد الله بن كعب بن مالك" بأو وفي ملحقها الآخر "عن عبد الرحمن بن كعب وعبد الله بن كعب" بالواو، "أو أحدهما" قال النووي: ولا يضر الشك في الراوي إذا كان الشك بين ثقتين، لأن ابني كعب هذين ثقتان.
(إنكم لا تدرون في أيه البركة) الجملة مستأنفة استئنافاً تعليلياً، أي لأنكم لا تدرون والضمير في "أيه" للطعام المفهوم من الكلام السابق، و"أي" تضاف إلى متعدد، والمراد في أي أجزائه البركة، فربما كانت بركة الطعام كله في جزئه الذي على الأصابع، فيحرمها من لم يلعق أصابعه، وفي الرواية السابعة "فإنه لا يدري في أي طعامه البركة" وفي الرواية الثامنة "فإنه لا يدري في أي طعامه تكون البركة" وفي الرواية التاسعة "فإنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة" وفي الرواية العاشرة "فإنه لا يدري في أيتهن البركة" قال النووي: هكذا هو في معظم الأصول، وفي بعضها "لا يدري أيتهما" وكلاهما صحيح، أما رواية "في أيتهن" فظاهره -أي في أية جزئية من جزئيات