للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بالتجارة وغيرها، مع القيام بالحقوق الواجبة والمندوبة كعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص -رضي الله عنهم.

أمام هذه النصوص، وأمام اختلاف وجهات النظر في فهمها، وأمام سلوكيات الصحابة والتابعين والسلف الصالح بخصوصها عقد العلماء -وعلى رأسهم البخاري- بابا في الفقر والغنى، أيهما أفضل؟ وأطالوا القول بما لا يتسع له المقام.

والخلاصة في نقاط:

الأولى: أن نعيم الدنيا محسوب يوم القيامة، فالله تعالى يقول للكافرين آنذاك {أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها} [الأحقاف: ٢٠] وفي البخاري "عن خباب رضي الله عنه قال: هاجرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فوقع أجرنا على الله تعالى، فمنا من مضى -أي مات قبل الفتوح- لم يأخذ من أجره شيئاً، ومنا من أينعت له ثمرته، فهو يهدبها" أي ومنا من عاش حتى ظهر الغنى وقطفه، أي فالأولون أجرهم كله مدخر لهم يوم القيامة، والآخرون أخذوا من أجورهم الأخروية بقدر ما تنعموا في الدنيا، وأصرح من هذا في المسألة ما رواه مسلم "ما من غازية تغزو، فتغنم وتسلم إلا تعجلوا ثلثي أجرهم" وقد سبق شرح هذا الحديث في الجهاد، وعند ابن أبي الدنيا، بسند جيد "لا يصيب عبد من الدنيا شيئاً إلا نقص من درجاته، وإن كان عند الله كريماً".

الثانية: أن نعيم الدنيا مسئول عنه يوم القيامة، مصداقاً لقوله تعالى: {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} [التكاثر: ٨] وقوله صلى الله عليه وسلم في روايتنا الثالثة "والذي نفسي بيده لتسألن عن هذا النعيم" وحديث "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن ماله، من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه" فصاحب الدرهم أخف حساباً ومساءلة يوم القيامة من صاحب الدرهمين.

الثالثة: أن الحرص على الدنيا، والانشغال بها، والتكالب على جمعها، بما يقلل من الاهتمام بالآخرة، أو بما يضحي بعزة المؤمن وكرامته في سبيلها، ففي الحديث "اطلبوا الرزق بعزة النفس، فإن الأمور تجري بالمقادير" أو بما يدفع إلى التقصير في إنفاقها من الشح والبخل والظلم، أو بما يدفع إلى الطغيان والكبر والخيلاء والغرور. كل ذلك مذموم، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليس لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأبقيت" ورحم الله الشاعر إذ يقول:

نصيبك مما تجمع الدهر كله

رداءان تطوى فيهما وحنوط

الرابعة: أن السعي في الرزق، والعمل باليد، وعمارة الأرض إلى أقصى حدود العمارة والحضارة مطلوب شرعاً بدرجة الوجوب، بشرط التوقي من الأخطار المشار إليها سابقاً، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ من الفقر والدين وغلبة الرجال والعجز والكسل، وعمر رضي الله عنه كان يقول: اللهم إنا لا نستطيع إلا أن نفرح بما زينته لنا، اللهم قنا شره، وارزقنا أن ننفقه في حقك، وقال الفقراء لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا رسول الله، ذهب المكثرون بالأجر، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل أموال يتصدقون به، فيؤجرون، ولا نتصدق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلا أدلكم على شيء، إذا فعلتموه لم

<<  <  ج: ص:  >  >>