لو عرف الإنسان نفسه، بداية ومصيراً وما بينهما ما جر ثوبه خيلاء، وما أطال ثوبه كبراً أو بطراً وعلواً، إن الله تعالى حكيم، ومن حكمته أن يعاقب في الدنيا والآخرة بنقيض القصد، ونقيض المتعة غير المشروعة، فمن تعالى على الناس أذله الله، وجعله عبرة لأمثاله في الدنيا والآخرة، ولنا في قارون عبرة دنيوية، فقد كان من قوم موسى، فبغى عليهم، وآتاه الله من الكنوز ما يعجز الخيل عن حمل مفاتيح خزائنه. نسي الله المنعم، وقال:{قال إنما أوتيته على علم عندي أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعاً ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون* فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا ياليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم* وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن ءامن وعمل صالحاً ولا يلقاها إلا الصابرون* فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين* وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون* تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين}[القصص: ٧٨ - ٨٣].
لنا في قارون هذه العبرة الدنيوية، أما في الآخرة فعقابه أشد، يحتقره الله ويهمله، ويغضب عليه، ولا ينظر إليه، ولا يكلمه، ولا يطهره من ذنوبه، وله عذاب أليم.
ومن تواضع لله رفعه، ومن تكبر مقته وأذله في الدنيا والآخرة، وعلى المؤمن أن يتواضع في غير ذلة، ويترفع في غير كبر، وتكفينا وصية لقمان لابنه {ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخور* واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير}[لقمان: ١٨، ١٩].
-[المباحث العربية]-
(لا ينظر الله) أي لا يرحمه، فالنظر إذا أضيف إلى الله تعالى كان مجازاً، وإذا أضيف إلى المخلوق كان كناية -أي لفظ أطلق، وأريد منه لازم معناه، مع صحة إرادة المعنى الأصلي- قال بعض العلماء: عبر عن المعنى الحاصل عند النظر بالنظر، لأن من نظر إلى متواضع رحمه، ومن نظر إلى متكبر مقته، فالرحمة والمقت متسببان عن النظر، فالنظر في جانب الله مجاز مرسل مراد به الرحمة، من إطلاق السبب وإرادة المسبب، والقرينة المانعة من إرادة المعنى الأصلي أن النظر في الأصل تقليب الحدقة، والله منزه عن ذلك، ويحتمل أن يراد به نظر رحمة، من باب تقييد المطلق، مجازاً مرسلاً أيضاً، ويحتمل -كما يقول السلف- أن يكون على الحقيقة، نظراً يليق بجلاله من غير تجسيم ولا تشبيه، والمراد لازمه أيضاً من الإهمال والمقت، فقد أخرج الطبراني "إن رجلاً ممن كان قبلكم لبس بردة، فتبختر فيها، فنظر الله إليه، فمقته، فأمر الأرض فأخذته".
(إلى من جر ثوبه خيلاء) في الرواية الثانية "إن الذي يجر ثيابه من الخيلاء" وفي الرواية