يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن) وفيه (يبعث الله ريحا طيبة، فتوفي كل من في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان، فيبقى من لا خير فيه) وفيه أيضا (فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحا طيبة، فتأخذهم تحت آباطهم، فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم ويبقى شرار الناس، يتهرجون فيها تهارج الحمر (أي يفحش الرجال بالنساء بحضرة الناس، كما يفعل الحمير) فعليهم تقوم الساعة" وفي البخاري: "لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه حتى تلقون ربكم" وفيه "يذهب الصالحون الأول فالأول، ويبقى حفالة كحفالة الشعير أو التمر (أي ما يتساقط من قشور الشعير والتمر) لا يبالهم الله باله" وفي بعض الروايات: "تذهبون الخير فالخير، حتى لا يبقى منكم إلا حثالة كحثالة التمر ينزو بعضهم على بعض نزو المعز، على أولئك تقوم الساعة" وفي البخاري: "من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء". وقد تقدم قبل ثمانية عشر حديثا أن شرحنا ما رواه مسلم: "إن الله يبعث ريحا من اليمن ألين من الحرير فلا تدع أحدا في قلبه مثقال حبة من إيمان إلا قبضته".
وقلنا: إنه وأمثاله لا يتعارض مع ما جاء في الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق إلى يوم القيامة" لأن معناه أنهم لا يزالون على الحق حتى تقبضهم الريح اللينة قبل يوم القيامة، فقوله في الحديث: "إلى يوم القيامة" معناه إلى أوائل ومقدمات يوم القيامة.
قال الحافظ ابن حجر: ووجدت في هذا مناظرة: أخرج الحاكم أن عبد الله بن عمرو قال: لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق، هم شر من أهل الجاهلية، فقال عقبة بن عامر: عبد الله أعلم بما يقول، وأما أنا فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله، ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك" فقال عبد الله: أجل "ويبعث الله ريحا، ريحها المسك، ومسها مس الحرير، فلا تترك أحدا في قلبه مثقال حبة من إيمان إلا قبضته، ثم يبقى شرار الناس فعليهم تقوم الساعة".
قال الحافظ ابن حجر: فعلى هذا فالمراد من قوله في حديث عقبة "حتى تأتيهم الساعة" ساعتهم هم، وهي وقت موتهم بهبوب الريح.