١ - فحكم إلقاء السلام وإفشائه سنة عينية للواحد، سنة كفائية للجماعة، على من يعرف، وعلى من لا يعرف، وقد سبق في كتاب الإيمان، في باب إطعام الطعام وإفشاء السلام "وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف".
نعم ذكر الماوردي: أن من مشي في الشوارع المطروقة والسوق، لا يطلب منه أن يسلم إلا على بعض من لقي، لأنه لو سلم على الكل لتشاغل عن المهم الذي خرج من أجله، ولشغل الناس عن مصالحهم، ولخرج بذلك عن العرف والمألوف، قال الحافظ ابن حجر: ولا يعكر على هذا ما أخرجه البخاري في الأدب المفرد عن الطفيل بن أبي بن كعب، قال:"كنت أغدو مع ابن عمر إلى السوق، فلا يمر على بياع، ولا على أحد، إلا سلم عليه، فقلت: ما تصنع بالسوق؟ وأنت لا تقف على البيع؟ ولا تسأل عن السلع؟ قال: إنما نغدو من أجل السلام على من لقينا" لأن مراد الماوردي من خرج في حاجة له، فتشاغل عنها بما ذكر، والأثر المذكور ظاهر في أنه خرج لقصد تحصيل ثواب السلام. اهـ وربما كانت هذه الحالة خاصة بابن عمر وأمثاله، ممن يتبرك بهم وبالسلام عليهم وبرؤيتهم والقرب منهم، ويحتمل أنهم -أو أكثرهم- كانوا ممن يعرفونه ويعرفهم، ويعتزون به، ويعتز بهم، وكلام الماوردي عن الطرق العامة في المدن الكبرى، وفي الأسواق الكبيرة الجامعة، فحالة ابن عمر تصلح في شوارع القرية الصغيرة، وفي سوقها المتواضع، دون المدن والأسواق الكبيرة. وكذلك الأمر إذا دخل الشخص مجلساً، فيه جمع كبير، مئات أو آلاف، لا يطلب منه أن يسلم عليهم واحداً واحداً، بل إن كان الجمع قليلاً، يعمهم سلام واحد، فسلم، كفاه، ولو كان الجمع كثيراً، لا يعمهم سلام واحد، سلم عند دخوله على من شاهدهم، وهل يستحب أن يسلم على من جلس عندهم، ممن لم يسمعه؟ وجهان. ويدخل في عموم إفشاء السلام، السلام على النفس لمن دخل مكاناً ليس فيه أحد، لقوله تعالى:{فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم}[النور: ٦١] ولأن المكان لا يخلو من مخلوقات الله، من ملائكة وجن وغير ذلك، وقد أخرج البخاري في الأدب المفرد وابن أبي شيبة بسند حسن، عن ابن عمر "فيستحب إذا لم يكن أحد في البيت أن يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين".
ويدخل في عموم إفشاء السلام أيضاً من مر على من ظن أنه إذا سلم عليه لا يرد عليه، فإنه يشرع له السلام، ولا يتركه لهذا الظن، لأنه قد يخطئ، قال النووي: وأما قول من لا تحقيق عنده أن ذلك يكون سبباً لتأثيم الآخر، فهو غباوة، لأن المأمورات الشرعية لا تترك بمثل هذا، ولو أعلمنا هذا لبطل إنكار كثير من المنكرات، ورجح ابن دقيق العيد في شرح الإلمام المقالة التي زيفها النووي، وقال: إن توريط المسلم في المعصية أشد من ترك مصلحة السلام عليه، ولا سيما وامتثال إفشاء السلام قد حصل مع غيره.
ويدخل في عموم إفشاء السلام أيضاً عدم تخصيص أحد الحاضرين بالسلام، ففي التخصيص ما يوقع الغير في الاستيحاش، وقد أورد الطحاوي في مشكل الآثار حديث أبي ذر، في قصة إسلامه،