للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

للمسلمين ثالثة، لكنهم جبناء، في الظاهر مسالمون، وفي الباطن محاربون {قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر} [آل عمران: ١١٨] كانت التحية عندهم: أنعم صباحاً، وأنعم مساء، وأبدل الله المسلمين بها تحية الإسلام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وصارت هذه التحية شعار المسلمين إذا التقوا، لكن اليهود لم يظهروا محاربتهم لهذه التحية، بل حاولوا أن يظهروا استحسانهم لها وقبولها، فكانوا إذا لقوا المسلمين قالوا لهم: السام عليكم، بدون اللام، والسام الموت، يوهمونهم أنهم يقولون: السلام عليكم، وهم يدعون على المسلمين بالموت، وفطن المسلمون لهذا، فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. كيف نرد عليهم يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: قولوا: وعليكم، وتجاوز الأمر الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه، دخل عليه جماعة منهم، وهو في بيت عائشة -رضي الله عنها- فقالوا: السام عليك يا أبا القاسم. وسمعتهم عائشة، وفطنت لقولهم، فغضبت، وثارت، وقالت لهم: وعليكم السام والموت الذؤام ولعنة الله والناس أجمعين، فأشار إليها صلى الله عليه وسلم أن تمسك وأن تهدأ، فلما انصرفوا قال لها: يا عائشة، ما لهذا الفحش والسب والدعاء؟ إن الله لا يحب الفحش، ولا تكلفه ومعالجته وارتكابه، قالت: أو ما سمعت؟ إنهم يقولون: السام عليك. قال: قد سمعت وفطنت، كما سمعت أنت وفطنت، أو لم تسمعي ما رددت به عليهم؟ لقد قلت: وعليكم.

أنا لم أبعث فاحشاً ولا متفحشاً، دعونا عليهم بما دعوا به علينا، ولا يجاب لهم، ويجيب الله دعاءنا، ونزل قوله تعالى: {وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم} [المجادلة: ٨].

ثم صدرت التعليمات الإلهية: لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام، ولا تشرفوهم بهذا الشرف، ولا تكرموهم بهذا التكريم، فإذا لقيتموهم في الطريق فلا تفسحوه لهم، ولا تتركوا لهم وسطه، بل اشغلوا أنتم وسطه، فأنتم الأعزة، {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين} [المنافقون: ٨] واضطروهم إلى حافة الطريق وهامشه، فهم قوم غضب الله عليهم ولعنهم بظلمهم لأنفسهم وأنبيائهم، وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين.

-[المباحث العربية]-

(إذا سلم عليكم أهل الكتاب) الكتاب في الأصل كل مكتوب، ثم غلب على الكتاب المنزل، وعلى القرآن والتوراة والإنجيل، وخص أهل الكتاب في عرف الشرع باليهود والنصارى، وفي الرواية الثالثة "إن اليهود إذا سلموا عليكم" وفي الرواية السابعة "لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام" وفي ملحقها "إذا لقيتم اليهود" وفي ملحقها "إذا لقيتم أهل الكتاب" وفي ملحقها "إذا لقيتموهم" "ولم يسم أحداً من المشركين"، أي لم يذكر اليهود أو النصارى.

(فقالوا: وعليكم) قال النووي: جاءت الأحاديث التي ذكرها مسلم "عليكم" و"وعليكم" بإثبات الواو، وحذفها، وأكثر الروايات بإثباتها، وعلى هذا في معناه وجهان: أحدهما أنه على ظاهره، قالوا: عليكم الموت، وأجيبوا: وعليكم أيضاً، أي نحن وأنتم فيه سواء، وكلنا نموت، والثاني: أن الواو، هنا

<<  <  ج: ص:  >  >>