قال: وأما ما ذكره المازري وحكاه أن المراد بالحمو أبو الزوج فهو كلام فاسد مردود، ولا يجوز حمل الحديث عليه، وكذا ما نقله القاضي عن أبي عبيد: أن معنى "الحمو الموت" أي فليمت ولا يفعل، هذا هو أيضاً كلام فاسد، والصواب ما قدمناه، وقال ابن الأعرابي: هي كلمة تقولها العرب، كما يقال: الأسد الموت، والحرب الموت، أي: لقاؤه مثل الموت. اهـ والمعنى احذروه كما تحذرون الموت.
وقيل: معناه أن الخلوة بالحمو قد تؤدي إلى هلاك الدين، إن وقعت المعصية، أو إلى الموت إن وجب الرجم، أو إلى هلاك المرأة بفراق زوجها، إذا حملته الغيرة على تطليقها، أشار إلى ذلك كله القرطبي، وقال صاحب مجمع الغرائب: يحتمل أن يكون المراد أن المرأة إذا خلت فهي محل الآفة، ولا يؤمن عليها أحد، فليكن حموها الموت، أي الحقيقي، أي لا يجوز لأحد أن يخلو بها إلا الموت، كما قيل: نعم الصهر القدر، وهذا لائق بكمال الغيرة والحمية، وقال عياض: معناه أن الخلوة بالأحماء مؤدية إلى الفتنة والهلاك في الدين، فجعله كهلاك الموت، والكلام ورد مورد التغليظ، وقال القرطبي في المفهم: المعنى أن دخول قريب الزوج على امرأة الزوج يشبه الموت في الاستقباح والمفسدة، أي فهو محرم معلوم التحريم، وإنما بالغ في الزجر عنه، وشبهه بالموت لتسامح الناس به من جهة الزوج والزوجة، لإلفهم بذلك، حتى كأنه ليس بأجنبي من المرأة، فخرج هذا مخرج قول العرب: الحرب الموت، أي لقاؤها يفضي إلى الموت، وكذا دخوله على المرأة قد يفضي إلى موت الدين، وقال ابن الأثير في النهاية: المعنى أن خلوة المحرم بها أشد من خلوة غيره من الأجانب، لأنه ربما حسن لها أشياء، وحملها على أمور، تثقل على الزوج، من التماس ما ليس في وسعه، فتسوء العشرة بين الزوجين بذلك، ولأن الزوج قد لا يؤثر أن يطلع والد زوجته أو أخوها على باطن حاله. اهـ فكأنه قال: الحمو الموت، أي لا بد منه، ولا يمكن حجبه عنها، كما أنه لا بد من الموت.
قال النووي: وفي الحم أربع لغات:
إحداها: هذا حموك بالواو في الرفع، ورأيت حماك، بالألف في النصب، ومررت بحميك، بالياء في الجر.
والثالث: هذا حماك، ورأيت حماك، ومررت بحماك، كما تقول في: قفاك.
الرابعة:"حم" كأب، وأصله حمو، بفتح الحاء والميم، وحماة المرأة أم زوجها لا يقال فيها غير هذا. اهـ ومعنى "أفرأيت" أخبرني، بمجاز مرسل في همزة الاستفهام، بإرادة مطلق الطلب من طلب الفهم، أي بعلاقة الإطلاق بعد التقييد، ومجاز مرسل في الرؤية، بإرادة الإخبار المسبب عن الرؤية غالباً، أي بإطلاق السبب وإرادة المسبب، فآل الأمر إلى طلب الإخبار، المدلول عليه بلفظ أخبرني. أي أخبرني عن دخول الحمو على المرأة.
(لم أر إلا خيراً) أي لا أتهمها، ولا أتهمهم، فما رأيت منها، ولا منهم في هذا اللقاء إلا خيراً، لكنني كرهت هذا اللقاء.
(إن الله قد برأها من ذلك) أي من الشر والفساد، أي بسبب شهادتك وانطباعك، أو قال ذلك بوحي نزل عليه.