أحدكم أخاه ثم يجلس في مجلسه" وكان ابن عمر إذا قام له رجل عن مجلسه لم يجلس فيه.
٤٩٦٤ - عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة ثم ليخالف إلى مقعده فيقعد فيه ولكن يقول افسحوا".
٤٩٦٥ - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قام أحدكم" وفي حديث أبي عوانة: "من قام من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به".
-[المعنى العام]-
للمجالس حرمة، وللجلوس فيها آداب، وللمرور عليها حقوق، وإذا كان الحديث قد تعرض سابقاً لحق الطريق فهو هنا، وفي هذا الباب يتعرض لحقوق المجالس.
كان المسجد النبوي بالمدينة المدرسة الأولى في الإسلام، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس فيه في أوقات فراغه، يجتمع بأصحابه، يقرأ عليهم من القرآن، ويعلمهم أمور دينهم، ويتخولهم بين الحين والحين بالموعظة والرقائق والآداب. وكان المسجد مطروقاً بين طريقين، ويصل بين جهتين بدون أبواب، فكان بعض الناس يمر به، إذا انتقل من الجهة إلى الأخرى، وبينما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه بالمسجد، دخل ثلاثة من الرجال، دخلوا للمرور في طريقهم إلى الجهة الأخرى، فلما وصلوا عند الحلقة رغب أحدهم في الجلوس، فوجد في الحلقة مكاناً خالياً يكفيه، فجلس فيه، وتردد الثاني في الجلوس، إن له مصلحة خرج يقضيها، أيذهب إليها؟ ويستمر في مشيه؟ أم يجلس كما جلس صاحبه؟ وبعد خطوات تجاوز بها الحلقة استحيا من نفسه، واستحيا أن يعاب من صاحبه ومن الجالسين، فعاد، فجلس خلف الحلقة، حيث لم يجد فرجة، كما وجد الأول، وأما الثالث فلم يتردد في الانصراف إلى مصلحته، والإعراض عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم. ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم النفر الثلاثة، فلما انتهى من الموضوع الذي يتكلم فيه، قال لأصحابه: أخبركم عن النفر الثلاثة الذين رأيتموهم، أما الأول فقد لجأ إلى الله، وإلى العلم، فاحتضنه الله برعايته ورضوانه، وأما الثاني فقد غلبه الحياء، فنال رحمة الله وعفوه، وأما الثالث فاستغنى عن العلم فاستغنى الله عنه، ومن يستغن الله عنه ويهمله، فقد حرم الخير كله، وكان من المغضوب عليهم والضالين المطرودين.
فمجالس العلم والذكر، لها حقوق على من يتمكن من الانتفاع بها، وكل جالس فيها له حقوق على الداخل عليهم، وله حق في المكان الذي جلس فيه، لا يقيمه أحد منه مهما كان قدر الداخل عليه، فهو أحق به من غيره، مادام قد سبق وجلس فيه، نعم لو قام باختياره ورضاه تكريماً لقادم، ليجلسه في