مراد مالك، وكذا قالوا في مقاعد الباعة من الأفنية والطرق التي هي غير متملكة، قالوا: ومن اعتاد بالجلوس في شيء منها، فهو أحق به، حتى يتم غرضه، قال: وحكاه الماوردي عن مالك قطعاً للنزاع، وقال القرطبي: الذي عليه الجمهور أنه ليس بواجب. والله أعلم.
أما قوله تعالى:{يا أيها الذين ءامنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشُزوا فانشُزوا}[المجادلة: ١١] أي إذا قيل: قوموا فقوموا، وظاهره أن يقام الرجل من مجلسه، مما يتعارض والحديث، فقد قال ابن بطال: قال بعضهم: هو مجلس النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، قال قتادة: كانوا يتنافسون في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، إذا رأوه مقبلاً ضيقوا مجلسهم، فأمرهم الله تعالى أن يوسع بعضهم لبعض، قال الحافظ ابن حجر: لا يلزم من كون الآية نزلت في ذلك، الاختصاص. اهـ وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل، قال: نزلت يوم الجمعة، أقبل جماعة من المهاجرين والأنصار، من أهل بدر، فلم يجدوا مكاناً، فأقام النبي صلى الله عليه وسلم ناساً، ممن تأخر إسلامهم، فأجلسهم في أماكنهم، فشق ذلك عليهم، وتكلم المنافقون في ذلك، فأنزل الله تعالى هذه الآية، ومعنى هذا أن الأمر بالقيام وتنفيذه خاص بهذه الواقعة، وبأمثالها، وعن الحسن البصري: أن المراد بذلك مجلس القتال، قال: ومعنى قوله {انشُزوا} انهضوا للقتال.
١٩ - ومن الرواية الرابعة قال النووي: هذا ورع من ابن عمر، وليس قعوده فيه حراماً، إذا قام برضاه، لكنه تورع عنه لوجهين:
أحدهما: أنه ربما استحى منه إنسان، فقام له من مجلسه من غير طيب قلبه، فسد ابن عمر الباب، ليسلم من هذا.
الثاني: أن الإيثار بالقرب مكروه، أو خلاف الأولى، فكان ابن عمر يمتنع من ذلك لئلا يرتكب أحد بسببه مكروهاً أو خلاف الأولى، بأن يتأخر عن موضعه في الصف الأول، ويؤثره به، وشبه ذلك، قال أصحابنا: وإنما يحمد الإيثار بحظوظ النفس وأمور الدنيا، دون القرب.