للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يوهمونهم عن أقاربهم المسافرين، أنهم أصابهم شر، فيخاف المؤمنون ويحزنوا، ويعيشون في نكد حتى يقدم أقاربهم سالمين. تكرر منهم ذلك وكثر، فشكا المؤمنون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى هذه الآية لئلا يكترث المؤمنون بتناجي المنافقين وأعدائهم، ولا يحزنوا، ونصح صلى الله عليه وسلم المؤمنين بذلك، ونصح المنافقين واليهود بعدم استخدام هذا الأسلوب الحقير، فلم يستجيبوا، وعادوا، وكرروا، وأكثروا، فنزل قوله تعالى: {ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير} [المجادلة: ٨].

إن القرآن الكريم في هذه الآيات، وإن عني بموضوع النجوى، لكنه يهتم أولاً وبالذات بالأثر المترتب عليها، وهو حزن الذي يراها، وخوفه منها، وتوقعه شرها، هذا ما يقع في نفسه، وإن كان موضوعها لا يتعلق به، ولا يتصل به من قريب أو بعيد، وأقل أثر يقع في نفسه أن المتناجيين بينهما من الود ما ليس عنده، وبينهما من السر ما لا يصح له أن يعلمه، وأنهما أقرب لبعضهما منه، فيقع في نفسه من البغض والحقد عن كليهما ما لم يكن، وإن كثيراً من الناس يتعمدون صورة المناجاة بدون مطلب لها، وبدون حاجة إليها، ليغيظوا بهذا المظهر بعض الجالسين، فكان التوجيه القرآني عاماً، للمنافقين والكافرين والمؤمنين {إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين ءامنوا} وكان نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عنها بصفة عامة "إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث، من أجل أن ذلك يحزنه".

-[المباحث العربية]-

(إذا كان ثلاثة) بالرفع فاعل "كان" التامة، أي إذا اجتمع ثلاثة، وفي الرواية الثانية والثالثة "إذا كنتم ثلاثة" وفي رواية للبخاري "إذا كانوا ثلاثة" وكلها بنصب "ثلاثة" خبر "كان".

(فلا يتناجى اثنان دون واحد) وفي الرواية الثانية "فلا يتناجى اثنان دون الآخر" وفي الرواية الثالثة "فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما" وفي رواية للبخاري "فلا يتناجى اثنان دون الثالث" وفي رواية أخرى له "لا يتناجى رجلان دون الآخر" وكلها بألف مقصورة "لا يتناجى" ثابتة في الخط ياء صورة، وتسقط في اللفظ، لالتقاء الساكنين، وهو بلفظ الخبر، ومعناه النهي، وفي بعض نسخ البخاري "فلا يتناج" بجيم فقط، فتكون طلبية لفظاً ومعنى، والمناجاة قيل: المسارة، يقال: انتجى القوم، وتناجوا، أي سار بعضهم بعضاً، وقيل: إن المسارة يعتبر فيها من يلقي السر ومن يلقى إليه، والمناجاة وقوع الكلام سراً من الجانبين.

(من أجل أن يحزنه) بضم الياء من "أحزن" قال النووي: قال أهل اللغة: يقال: حزنه وأحزنه وقرئ بهما في السبع، أي لا يتناجى اثنان دون الثالث من أجل أن ذلك التناجي يحزن الثالث، لأنه قد يتوهم أن نجواهما إنما هي لسوء رأيهما فيه، أو لدسيسة غائلة له، وفي الرواية الثالثة "فإن ذلك يحزنه" وفي رواية للبخاري "أجل أن ذلك يحزنه" بإسقاط "من".

<<  <  ج: ص:  >  >>