وهو الصواب عندهم على مذهب سيبويه، في هذا، من المضاعف إذا دخلت عليها الهاء، أن يضم ما قبلها، في الأمر، ونحوه المجزوم، مراعاة للواو التي توجبها ضمة الهاء بعدها، لخفاء الهاء، فكأن ما قبلها ولي الواو، ولا يكون ما قبل الواو إلا مضموما، هذا في المذكر، وأما المؤنث مثل: ردها، ففتحة الهاء لازمة بالاتفاق. قال النووي: وأما رده ونحوه للمذكر، ففيه ثلاثة أوجه. أفصحها وجوب الضم، كما ذكره القاضي، والثاني الكسر وهو ضعيف، والثالث الفتح، وهو أضعف منه.
(فإنه خفيف المحمل، طيب الريح)"المحمل" هنا بفتح الأولى وكسر الثانية، كالمجلس، والمراد به الحمل، بفتح الحاء، أي خفيف الحمل، ليس بثقيل.
(كان ابن عمر إذا استجمر استجمر بالألوة، غير مطراة، وبكافور يطرحه مع الألوة) الاستجمار هنا: استعمال الطيب، والتبخر به، مأخوذ من المجمر، بكسر الميم الأولى وفتح الثانية، و"الألوة" بفتح الهمزة وضمها وبضم اللام وحكي كسرها وهي عود يتبخر به فارسي معرب، وحكي "ألية" بتشديد الياء وتخفيفها، وتكسر الهمزة وتضم، وقيل: لية ولوة، وقوله "غير مطراة" بضم الميم وفتح الطاء، وتشديد الراء، أي غير مخلوطة بغيرها من الطيب، يقال: طرى الطيب، بفتح الطاء وتشديد الراء المفتوحة، أي خلطه بالأخلاط، و"الكافور" شجر معروف، يتخذ منه مادة شفافة بلورية الشكل، يميل لونها إلى البياض، رائحتها عطرية، وهو أصناف كثيرة.
-[فقه الحديث]-
تتعرض أحاديث الباب إلى خمسة آداب:
الأول: منع سب الدهر، وسب الزمان، والروايات الست الأولى تنهي عن سبه، قال القاضي عياض: زعم بعض من لا تحقيق له، أن الدهر من أسماء الله، وهو غلط، وقد تمسك الجهلة من الدهرية والمعطلة بظاهر هذا الحديث، واحتجوا به على من لا رسوخ له في العلم، لأن الدهر عندهم حركات الفلك، وأمد العالم، ولا شيء عندهم، ولا صانع سواه، قال: وكفى في الرد عليهم قوله في بقية الحديث "أنا الدهر، أنا أقلب ليله ونهاره" فكيف يقلب الشيء نفسه؟ تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا.
وقال الشيخ محمد بن أبي جمرة: لا يخفى أن من سب الصنعة، فقد سب صانعها، فمن سب نفس الليل والنهار، أقدم على أمر عظيم، بغير معنى، ومن سب ما يجري فيهما من الحوادث - وذلك هو أغلب ما يقع من الناس - وهو الذي يعطيه سياق الحديث، حيث نفى عنها التأثير، فكأنه قال: لا ذنب لهما في ذلك وأما الحوادث فمنها ما يجري بوساطة العاقل المكلف فهذا يضاف شرعا ولغة إلى الذي جرى على يديه ويضاف إلى الله تعالى لكونه بتقديره، فأفعال العباد من اكتسابهم ولهذا ترتبت عليها الأحكام وهي في الابتداء خلق الله، ومنها ما يجري بغير وساطة فهو منسوب إلى قدرة القادر، وليس لليل والنهار فعل ولا تأثير، لا لغة، ولا عقلا ولا شرعا وهو المراد في هذا الحديث، ويلتحق بذلك ما يجري من الحيوان غير العاقل، ثم أشار ابن أبي جمرة إلى أن النهي عن سب الدهر تنبيه بالأعلى، على الأدنى، وأن فيه إشارة إلى ترك سب كل شيء مطلقا، إلا ما أذن الشرع فيه، لأن العلة واحدة. اهـ.