وغيره من العلوم الشرعية، وعن ذكر الله تعالى، وهذا مذموم من أي شعر كان، فأما إذا كان القرآن والحديث وغيرهما من العلوم الشرعية هو الغالب عليه، فلا يضر حفظ اليسير من الشعر مع هذا، لأن جوفه ليس ممتلئا شعرا.
ثم قال: واستدل بعض العلماء بهذا الحديث على كراهة الشعر مطلقا، قليله وكثيره، وإن كان لا فحش فيه، وتعلق بقوله صلى الله عليه وسلم:"خذوا الشيطان" وقال العلماء كافة: هو مباح ما لم يكن فيه فحش ونحوه، قالوا: وهو كلام، حسنه حسن، وقبيحه قبيح، وهذا هو الصواب، فقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم الشعر، واستنشده، وأمر به حسان في هجائه المشركين، وأنشده أصحابه بحضرته، في الأسفار وغيرها، وأنشده الخلفاء وأئمة الصحابة وفضلاء السلف، ولم ينكره أحد منهم على إطلاقه، وإنما أنكروا المذموم منه، وهو الفحش، ونحوه، قال: وأما تسمية هذا الرجل - الذي سمعه ينشد - شيطانا، فلعله كان كافرا، أو كان الشعر هو الغالب عليه، أو كان شعره هذا من المذموم، وبالجملة فتسميته شيطانا قضية عين، تتطرق إليها الاحتمالات المذكورة وغيرها، ولا عموم لها، فلا يحتج بها. وفي الحديث منقبة للبيد الصحابي الجليل والله أعلم.
النقطة الثانية في هذا الباب: البعد عن لعب النرد ونحوه، قال النووي: وهذا الحديث حجة للشافعي والجمهور في تحريم اللعب بالنرد، وقال أبو إسحاق المروزي، من أصحابنا: يكره، ولا يحرم، وأما الشطرنج فمذهبنا أنه مكروه، ليس بحرام، وهو مروي عن جماعة من التابعين، وقال مالك وأحمد: حرام، قال مالك: هو شر من النرد، وألهى عن الخير وقاسوه على النرد، وأصحابنا يمنعون القياس، ويقولون: هو دونه.
نعم التشبيه في قوله "فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه" ينفر منه، ويفر به من الحرمة، لذا أضاف النووي إلى النص عبارة "في حال أكله منهما" وكأن التشبيه بالأكل من لحم الخنزير ودمه، وهو حرام باتفاق، وتشبيه الشيء بالمحرم القطعي دليل التحريم، قال بعضهم: لأن غمس اليد في اللحم يكون غالبا في حالة الأكل.
والتحقيق أن التشبيه ليس بالأكل، وإلا لقال: فكأنما أكل لحم خنزير، وإنما هو تشبيه حركات اللاعب، وتناوله لآلات اللعب، ونقله للحجارة "القشاط" تبعا لأرقام الزهر، بغمس اليد في النجاسة، وغمس اليد في النجاسة مستقذر، ليس بمحرم فيكون التشبيه للتنفير.
والبحث الدقيق يكون في الحكمة والعلة، أهي ما في الألعاب من التغرير والحظ؟ فالمنع للطاولة ونحوها مما يعتمد على الحظ، دون الشطرنج والورق (الكوتشينة) والحجارة في التراب (السيجة) و (الضمنة) والكرة بأنواعها والرمي، وسباق الجري، ونحو ذلك، أم هي اللهو وضياع الوقت، بقدر زائد على الترويح؟ فيشمل جميع الألعاب، إذا زادت عن قدر الحاجة النافعة؟ أم هي ما تحدثه بين المتلاعبين من الحقد والغل والغضب والإثارة؟ فتمنع إذا أحدثت ذلك، أو حين توقعه؟ أم هي ما يحدث غالبا من غرامة تلحق المغلوب للغالب؟ فتمنع إن كانت كذلك.