(فيضحكون، ويبتسم صلى الله عليه وسلم) قال أهل اللغة: التبسم مبادئ الضحك، والضحك انبساط الوجه، وانفراج الفم حتى تظهر الأسنان، فإن كان بصوت بحيث يسمع من بعد فهو القهقهة، وإلا فهو الضحك، وإن كان بلا صوت فهو التبسم، وتسمى الأسنان في مقدم الفم الضواحك، وهي الثنايا والأنياب وما يليها، وتسمى النواجذ جمع ناجذة، وهي الأضراس.
فالضحك يطلق على مراحل إظهار السرور في الوجه، وتبدأ بانبساط الأسارير، وانبساط الشفتين دون فتحهما، وبدون صوت يسمعه من بجوارك، المرحلة الثانية تزيد على الأولى انفتاح الشفتين دون ظهور الأسنان، المرحلة الثالثة كالثانية مع ظهور الرباعيات، أي الأسنان الأربع الأمامية علويا وسفليا، المرحلة الرابعة ظهور الأنياب، المرحلة الخامسة ظهور الأضراس، المرحلة السادسة ظهور اللهوات، جمع لهاة، وهي اللحمة المشرفة على الحلق، وتطلق على الجزء الأخير من سقف الحلق، المطبق على الفك الأسفل، وكل هذه المراحل الست تدخل في التبسم، ما دامت بلا صوت يسمع، فإن صاحبها صوت ضحك فهي القهقهة، ولو كانت بدون فتح الشفتين، فكل ابتسامة ضحك، وليس كل ضحك ابتساما.
وكل ما حصل منه صلى الله عليه وسلم ابتسام بمراحله الست، كما سنوضح ذلك في فقه الحديث، ولم يحصل منه قهقهة أصلا، ففي البخاري "وما يزيد رسول الله صلى الله عليه وسلم على التبسم".
-[فقه الحديث]-
كان الأغلب في أحواله صلى الله عليه وسلم التبسم بالمراحل الثلاث الأوليات، وقلما استعمل المرحلة الرابعة والخامسة وندر استعماله للمرحلة السادسة، ويحمل وصفه صلى الله عليه وسلم بالضحك أو التبسم على المرحلة الأولى والثانية والثالثة، كل حسب المقام، كما في حديث الأعرابي الذي جذبه من ثوبه، حتى أثر الجذب في صفحة عنقه صلى الله عليه وسلم، وقال له: أعطني من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه صلى الله عليه وسلم، فضحك، ثم أمر له بعطاء" وكما في حديثنا، وحين المبالغة في التبسم تذكر المرحلة، وينص عليها غالبا، ففي حديث الرجل الذي جامع في رمضان، حين قال: والله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر منا، "ضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه" وفي رواية "حتى بدت أنيابه" نعم في حديث لعائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيه صلى الله عليه وسلم مستجمعا قط ضاحكا، حتى أرى منه لهواته" فنفت عنه المرحلة السادسة، لكن قال ابن بطال: المثبت مقدم على النافي.
قال الحافظ ابن حجر: والذي يظهر من مجموع الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم كان في معظم أحواله لا يزيد على التبسم - أي في مراحله الثلاث الأخيرة - قال: والمكروه من ذلك إنما هو الإكثار منه، أو الإفراط فيه، لأنه يذهب الوقار، قال ابن بطال: والذي ينبغي أن يقتدى به من فعله، ما واظب عليه من ذلك، فقد روى البخاري في الأدب المفرد وابن ماجه من وجهين عن أبي هريرة، رفعه "لا تكثر الضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب"