والعجب أن توقفه امرأة في الطريق تسأله، فيقف دون مصاحبيه ويناديها بكنيتها، ويستمع لها، فتطلب منه أن تختلي به بعيدا عن مسامع أصحابه، لتسر إليه بمسألتها، فلا يختار المكان، بل يطلب إليها أن تختار هي المكان الذي تحبه، فيذهب معها إليه، ويقف معها طويلا، لا يمل، ولا يتضجر، وهو يعلم أن في عقلها ضعفا، ومع ذلك يظل يتكلم معها في حاجتها حتى تكتفي هي، وتنصرف راضية شاكرة، وصدق الله العظيم إذ يقول فيه:{لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم}[التوبة: ١٢٨].
-[المباحث العربية]-
(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الغداة) أي إذا صلى الفجر، وهذا الأسلوب يفيد التكرار والاستمرار والشأن والعادة والغالب.
(جاء خدم المدينة بآنيتهم) في الكلام حذف مضافين، والأصل: خدم أهل المدينة، بآنية أسيادهم، والمراد من الآنية الجنس، الصادق بالجمع، فالمراد بأوانيهم، فيتقابل الجمع بالجمع، فيقتضي القسمة أحادا، فيئول المعنى إلى: جاء خدم المدينة كل واحد بإناء سيده، والمراد المجموع والكثيرون، وليس كل خادم.
(فيها الماء) جملة حالية.
(فما يؤتى بإناء إلا غمس يده فيها) أعاد الضمير مؤثنا باعتبار أن الإناء والآنية شيء واحد، و"يؤتى" بضم الياء، بالبناء للمجهول، والمعنى فما يطلب منه وضع يده في إناء به ماء تبركا بيده، إلا وأجاب.
(فربما جاءوه في الغداة الباردة، فيغمس يده فيها) أي في الأواني، وهذه الجملة تصوير للمبالغة في الإجابة، أي حتى ولو صاحبت الإجابة مشقة شديدة، والغداة الباردة وقت الفجر والصبح في الشتاء.
(وأطاف به أصحابه) يقال: طاف به، وأطاف به أصحابه، أي أحاطوا به، والجملة حال بتقدير "قد" عند من يشترطها.
(فما يريدون أن تقع شعرة إلا في يد رجل) أي فيسارعون إلى التقاط شعره صلى الله عليه وسلم الذي يتساقط من الحلاق، قبل أن يصل إلى الأرض، ونفى الإرادة، ولم ينف وقوع شعرة إلى الأرض، لأن الموجود الكائن فعلا الحرص، وقد يفلت من حرصهم شعرات، تقع فيرفعونها.
(أن امرأة كان في عقلها شيء) من الخفة والضعف، يقصد بذلك بيان عذرها في مطلبها من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(فقالت: يا رسول الله، إن لي إليك حاجة) أي أريدك في خلوة، بعيدا عن الناس وعن أصحابك الذين هم معك الآن.