الخشنة جعلتهم يعاملونه بما لا يليق بمقامه، ينادونه باسمه، ويطلبون منه ما يطلبون من سوقة الناس، فيقولون: يا محمد، اخرج إلينا، فينزل الله تعالى {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا}[النور: ٦٣].
يكثرون أسئلته بما لا ينفع، وبما لا يعنى، وبتوافه الأمور، حتى من ضاعت ناقته يسأل: أين ناقتي؟ وحتى يسأل من يشك في نسب نفسه: من أبي؟ فيتأذى رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك، وينزل قوله تعالى {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم}[المائدة: ١٠١].
إن الرسالة تكريم وتشريف وتفضيل للرسل، وطاعتهم طاعة الله، من يطع الرسول فقد أطاع الله، وتكريمهم والتسلم لهم تكريم لأوامر الله، وتسليم لأحكام الله.
-[المباحث العربية]-
(أن رجلا من الأنصار خاصم الزبير عند رسول الله صلى الله عليه وسلم) في رواية "خاصم الزبير رجلا" والمخاصمة مفاعلة من الجانبين، فكل منهما مخاصم للآخر، كذا قال الحافظ ابن حجر: قلت: لكن جعل أحدهما فاعلا، والآخر مفعولا يشير إلى أن الفاعل هو الشاكي والمدعي، وهو هنا كذلك وأن الأنصاري هو الشاكي.
وفي رواية "أن رجلا من الأنصار قد شهد بدرا" وفي رواية "أنه كان من بني أمية بن زيد، وهم بطن من الأوس، وحكى ابن بشكوال عن شيخه أبي الحسن بن مغيث أنه ثابت بن قيس بن شماس، ولم يأت على ذلك بشاهد، قال الحافظ ابن حجر: وليس ثابت بدريا، وحكى الواحدي أنه ثعلبة بن حاطب الأنصاري، الذي نزل فيه قوله تعالى {ومنهم من عاهد الله}[التوبة: ٧٥] ولم يذكر مستنده، ولم يكن بدريا أيضا، وحكى الواحدي أيضا أنه حاطب بن أبي بلتعة، وتعقب بأن حاطبا وإن كان بدريا لكنه من المهاجرين، ومال الحافظ ابن حجر إلى ترجيح هذا الرأي، فقال: لكن يؤيد هذا ما أخرجه ابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب، في قوله تعالى {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم}[النساء: ٦٥] قال: نزلت في الزبير بن العوام وحاطب بن أبي بلتعة، اختصما في ماء" الحديث. وإسناده قوي مع إرساله. وعلى هذا فيئول قوله "من الأنصار" على إرادة المعنى الأعم، كما وقع ذلك في حق غير واحد، كعبد الله بن حذافة، وأما قول الكرماني بأن حاطبا كان حليفا للأنصار ففيه نظر، وأما قوله من "بني أمية بن زيد، فلعله كان مسكنه هناك، كعمر، قال: وذكر الثعلبي بغير سند أن الزبير وحاطبا لما خرجا، مرا بالمقداد، قال: لمن القضاء؟ فقال: حاطب: قضى لابن عمته، ولوى شدقه، ففطن له يهودي، فقال: قاتل الله هؤلاء، يشهدون أنه رسول الله ويتهمونه. قال الحافظ: وفي صحة هذا نظر، قال: ويترشح بأن حاطبا كان حليفا لآل الزبير بن العوام، من بني أسد، وكأنه كان مجاورا للزبير، أي في الحائط والزراعة.
وأما قول الداودي وغيره: إن خصم الزبير كان منافقا - للكلمة التي قالها - فقد وجهه القرطبي بأن قول من قال إنه كان من الأنصار، يعني نسبا، لا دينا، قال: وهذا هو الظاهر من حاله، ويحتمل أنه لم يكن منافقا، ولكن صدر منه ذلك ببادرة النفس، كما وقع لغيره ممن صحت توبته، وقوى هذا