للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(فلم أر كاليوم في الخير والشر) أي لم أر خيرا أكثر مما رأيته اليوم في الجنة، ولا شرا أكثر مما رأيته اليوم في النار.

(ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا) أي ولو رأيتم ما رأيت، وعلمتم ما علمت لأشفقتم على أنفسكم إشفاقا بليغا، ولقل ضحككم، وكثر بكاؤكم.

(فما أتى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أشد منه) أي من هذا اليوم الذي أنذرهم فيه بهذا الإنذار، والمراد ما حصل لهم ساعتها من الخوف.

(غطوا رءوسهم، ولهم خنين) قال النووي "خنين" بالخاء في معظم النسخ ولمعظم الرواة، ولبعضهم بالحاء، قالوا: ومعناه بالخاء صوت البكاء، وهو نوع من البكاء، دون الانتحاب. قالوا: وأصل الخنين خروج الصوت من الأنف، والحنين خروجه من الفم، وقال الخليل: الخنين بالخاء صوت فيه غنة، وقال الأصمعي: إذا تردد البكاء فصار فيه غنة فهو خنين، وقال أبو زيد: الخنين مثل الحنين، شدة البكاء.

(فقام عمر، فقال: رضينا بالله ربا) هذا معطوف على محذوف، مطوي، أبرزته الرواية السابعة وفيها "خرج حين زاغت الشمس، فصلى لهم صلاة الظهر، فلما سلم قام على المنبر، فذكر الساعة، وذكر أن قبلها أمورا عظاما، ثم قال: من أحب أن يسألني عن شيء فليسألني عنه، فوالله لا تسألوني عن شيء، إلا أخبرتكم به، ما دمت في مقامي هذا، فأكثر الناس البكاء، حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول: سلوني" فلما أكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن يقول: سلوني، برك عمر، فقال: "رضينا بالله ربا" وفي الرواية الثامنة "أن الناس سألوا نبي الله صلى الله عليه وسلم، حتى أحفوه بالمسألة" أي أكثروا في الإلحاح والمبالغة فيه، يقال: أحفى وألحف، وألح بمعنى "فخرج ذات يوم، فصعد المنبر، فقال: سلوني، لا تسألوني عن شيء إلا بينته لكم" قال القاضي: وظاهر الحديث أن قوله "سلوني" إنما كان غضبا، كما قال في الرواية التاسعة "سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء كرهها، فلما أكثر عليه غضب، ثم قال للناس: سلوني عم شئتم" قال: وكان اختياره صلى الله عليه وسلم ترك تلك المسائل، لكن وافقهم في جوابها لأنه لا يمكن رد السؤال، ولما رآه من حرصهم عليها، قال: وأما بروك عمر رضي الله عنه، وقوله "رضينا ... إلخ" فإنما فعله أدبا وإكراما لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وشفقة على المسلمين، لئلا يؤذوا النبي صلى الله عليه وسلم، فيهلكوا.

وفي الرواية الثامنة "فلما سمع ذلك القوم أرموا" بفتح الهمزة والراء وتشديد الميم المضمومة، أي سكتوا، وأصله من المرمة، وهي الشفة، أي ضموا شفاههم، بعضها على بعض، فلم يتكلموا، "ورهبوا" أي خافوا "أن يكون بين يدي أمر قد حضر" أي أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم عنده أمر خطير، كالساعة وبوادرها، قد آن أوانه، "قال أنس: فجعلت ألتفت يمينا وشمالا، فإذا كل رجل لاف رأسه" أي قد لف رأسه "في ثوبه يبكي".

(رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا) أي رضينا بما عندنا من كتاب الله تعالى، وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، واكتفينا به عن السؤال، ففيه أبلغ كفاية.

<<  <  ج: ص:  >  >>