للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(فقال: ما أظن يغني ذلك شيئا) أي ما أظن أن ذلك العمل يغني عن قدر الله شيئا إذا أراد عدم صلاحه "لو لم تفعلوا" التأبير وأراد الله صلاحه "لصلح" ولعله أراد صلى الله عليه وسلم أن يوجههم إلى الاعتماد على الله بدلا من الاعتماد الكلي على الأسباب.

(فأخبروا بذلك) أي أخبر الذين على رءوس النخل بما قاله صلى الله عليه وسلم، وكانوا مسلمين.

(فتركوه) أي تركوا التأبير، اعتمادا على إشارته صلى الله عليه وسلم.

(فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم) معطوف على محذوف، أبرزته الرواية الثانية والثالثة، والأصل: "فتركوه، فنفضت - أو فنقصت - فذكروا ذلك له" "فنفضت" بالفاء والضاد، أي أسقطت النخل ثمرها، ويقال لذلك المتساقط: النفض، بفتح النون والفاء، بمعنى المنفوض، كالخبط، بمعنى المخبوط، وانفض القوم فنى زادهم، وأما "نقصت" بالقاف والصاد فمعناه نقص صلاحها وهو المعبر عنه في الرواية الثالثة بقوله "فخرج شيصا، فمر بهم، فقال ما لنخلكم؟ قالوا: قلت كذا وكذا" والشيص بكسر الشين هو البسر الرديء، الذي إذا يبس صار حشفا.

(فقال: إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فإني إنما ظننت ظنا، فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئا، فخذوا به، فإني لن أكذب على الله عز وجل) في الرواية الثانية "قال: إنما أنا بشر، إذا أمرتكم بشيء من دينكم، فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأيي، فإنما أنا بشر" وفي الرواية الثالثة "قال: أنتم أعلم بأمر دنياكم".

قال النووي: قال العلماء: قوله "من رأيي" أي في أمر الدنيا ومعايشها، لا على التشريع، فأما ما قاله باجتهاده صلى الله عليه وسلم، ورآه شرعا، يجب العمل به، وليس إبار النخل من هذا النوع، بل من النوع المذكور قبله، قال: مع أن لفظة "الرأي" إنما أتى بها عكرمة على المعنى، لقوله في آخر الحديث: قال عكرمة أو نحو هذا، فلم يخبر بلفظ النبي صلى الله عليه وسلم محققا، قال العلماء: ولم يكن هذا القول خبرا، وإنما كان ظنا، كما بينه في هذه الروايات، قالوا: ورأيه صلى الله عليه وسلم في أمور المعايش، وظنه كغيره، فلا يمتنع وقوع مثل هذا، ولا نقص في ذلك، وسببه تعلق هممهم بالآخرة ومعارفها. اهـ.

-[فقه الحديث]-

هذا الحديث يتعلق به كل من يحاول التحلل من كثير من أحكام الشرع، مما يتعلق بالحياة، والمعاملات ويتمسك بقوله صلى الله عليه وسلم "أنتم أعلم بشئون دنياكم" فبعضهم يدخل تحته كل ما يتعلق بالأكل والشرب والنوم واللبس والجلوس والمشي، وغير ذلك من الأمور الخاصة بالحاجة والطبيعة البشرية.

فالشيخ شلتوت يقول: ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ودون في كتب الحديث من أقواله وأفعاله وتقريراته على أقسام: أحدها ما سبيله سبيل الحاجة البشرية كالأكل والشرب والنوم والمشي والتزاور والمصالحة بين شخصين بالطرق العرفية، والشفاعة والمساومة في البيع والشراء.

<<  <  ج: ص:  >  >>