للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥٣٤٤ - عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أحاديث منها: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأى عيسى ابن مريم رجلا يسرق. فقال له عيسى: سرقت؟ قال: كلا. والذي لا إله إلا هو! فقال عيسى: آمنت بالله. وكذبت نفسي".

-[المعنى العام]-

تحكي سورة مريم قصة حمل مريم لعيسى من غير أب، وتعجبها من هذا الحمل وهي غير بغي، وانتباذها بحملها مكانا قصيا، وكيف رزقها الله بطعامها وشرابها مدة حملها، وكيف جاءها المخاض إلى جذع النخلة، وقولها: يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا، وكيف بشرها ربها بغلام ذكي، يكون آية للناس ورحمة من الله، وكيف أمرت أن تقابل قومها ولا تتكلم معهم، وأن تطلب من طفلها أن يرد عليهم {فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا * قال إني عبد الله ءاتاني الكتاب وجعلني نبيا * وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا} [مريم: ٢٩ - ٣١] كان عيسى عليه السلام معجزة في ميلاده، معجزة في كلامه في المهد، على يديه في حياته ظهرت معجزات إحياء الموتى بإذن الله، وإبراء الأكمه والأبرص بإذن الله، في رسالته اختلف الأحزاب فيما بينهم - كما هو الشأن مع الأنبياء، طلب حواريوه مائدة من السماء، فدعا بها عيسى فنزلت، وعاداه آخرون، واتهموه بأنه ابن زنا. نعم كانت حياته معجزة، مغالاة وتطرف في الحب والتقديس، ومغالاة وتطرف في البغضاء والشحناء، عبده بعضهم وقالوا: إنه ابن الله، {وقالت النصارى المسيح ابن الله} [التوبة: ٣٠] وحاربه آخرون، حتى وضعوا ونصبوا له الصليب ليقتلوه، وكان موته معجزة {وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا * بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما} [النساء: ١٥٧ - ١٥٨] وما بعد موته معجزة، ينزل حاكما عادلا في آخر الزمان، كمسلم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، يقيم العدل، ويحارب الشرك والظلم، ويكسر الصليب، ويقتل الدجال، فأي علاقة هذه بينه وبين أخيه محمد بن عبد الله عليهما الصلاة والسلام، ومن أولى به من رسول الله رسول الإسلام؟

لقد عاش مثالا للزهد والإعراض عن الدنيا، مثالا للرحمة والتسامح والتواضع، مثالا للعفو والرفق، رأى سارقا يسرق مال غيره، رآه بعيني رأسه، طلبه فجاء، قال له: أنت سرقت ساعة كذا من مكان كذا. قال الرجل: لا. لم أسرق. والذي لا إله إلا هو.

فغلب التسامح العقوبة، وارتفع حسن الظن على السوء، وعلا الرفق والإحسان على المحاسبة والانتقام، فقال للرجل: آمنت بالله، وعظمته وقدسته، واستسلمت لحلفك به،

<<  <  ج: ص:  >  >>