للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(جـ) اعتماد رواياتهم عن النبي صلى الله عليه وسلم فهم الذين سمعوا ورأوا بدون واسطة، وهم الذين خوطبوا بالشريعة وهم حملتها إلينا وهم الذين عنوا بها وحفظوها، وآراؤهم وفتاواهم وتفسيراتهم أقوى وأهم وأحق قبولا من آراء غيرهم.

(د) وجوب الإمساك عن تنقيصهم، عند ذكر ما ينقصهم من الأعمال فلعل ما قدموا من الخير يفوق بكثير ما يؤخذ عليهم من قصور وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم عن حاطب بن أبي بلتعة - وقد اتهم بتسريب أخبار المسلمين إلى كفار قريش - "لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم".

فإذا ما أريد بوصف الصحبة هذه المعاني، وهذه الحقوق لم يستحقه إلا النوع الأول المتفق عليه، وهو من أسلم من بني آدم وأقام مع النبي صلى الله عليه وسلم بالغا عاقلا، سنة فصاعدا، أو غزا معه غزوة فأكثر، واستمر على إسلامه حتى مات دون الأنواع التسعة الأخرى.

أما إذا أريد بوصف الصحبة مجرد الوصف، فلا مانع من إطلاقه على كل الأنواع حتى على من سيدخل النار ممن شهد النبي صلى الله عليه وسلم مسلما ففي الحديث الصحيح أن ناسا من أصحابه صلى الله عليه وسلم يذادون عن حوضه يوم القيامة فيقول: أصحابي أصحابي؟ أين تذهبون بهم؟ فيقال: إلى النار إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول: سحقا. سحقا.

وقد اهتم الإمام النووي بالحق الرابع (د) وهو وجوب الإمساك عن تنقيصهم، فقال: وأما الحروب التي جرت فكانت لكل طائفة شبهة، اعتقدت تصويب أنفسها بسببها، وكلهم عدول - رضي الله عنهم - ومتأولون في حروبهم وغيرها، ولم يخرج شيء من ذلك أحدا منهم عن العدالة، لأنهم مجتهدون، اختلفوا في محل الاجتهاد كما يختلف المجتهدون بعدهم في مسائل من الدماء وغيرها ولا يلزم من ذلك نقص أحد منهم.

قال: واعلم أن سبب تلك الحروب أن القضايا كانت مشتبهة، فلشدة اشتباهها اختلف اجتهادهم وصاروا ثلاثة أقسام:

قسم ظهر له بالاجتهاد أن الحق في هذا الطرف، وأن مخالفه باغ، فوجب عليهم نصرته، وقتال الباغي عليه - فيما اعتقدوه - ففعلوا ذلك، ولم يكن يحل لمن هذه صفته التأخر عن مساعدة إمام العدل في قتال البغاة في اعتقاده.

وقسم عكس هؤلاء، ظهر لهم بالاجتهاد أن الحق في الطرف الآخر، فوجب عليهم مساعدته، وقتال الباغي عليه.

وقسم ثالث اشتبهت عليهم القضية، وتحيروا فيها، ولم يظهر لهم ترجيح أحد الطرفين، فاعتزلوا الفريقين، وكان هذا الاعتزال هو الواجب في حقهم، لأنه لا يحل الإقدام على قتال مسلم، حتى يظهر أنه مستحق لذلك، ولو ظهر لهؤلاء رجحان أحد الطرفين، وأن الحق معه، لما جاز لهم التأخر عن نصرته في قتال البغاة عليه، فكلهم معذورون. رضي الله عنهم، ولهذا اتفق أهل الحق ومن يعتد به في الإجماع على قبول شهاداتهم، ورواياتهم، وكمال عدالتهم. رضي الله عنهم أجمعين. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>