الشبه ليس أخوة النسب قطعا وليس النبوة المشتركة بين موسى وهارون، فهي منفية بلفظ الحديث فدل ذلك على أنه الخليفة في غيابه، كما قال موسى لأخيه هارون: اخلفني في قومي، فعلي كان المستحق للخلافة من بعده هكذا يفهم بعض الشيعة، ويجيب أهل السنة بأن هارون المشبه به إنما كان خليفة في حياة موسى، حين ذهب لميقات ربه، للمناجاة لا بعد موته، لأنه مات قبل موسى بالاتفاق وقبل وفاة موسى بنحو أربعين سنة على المشهور، فالتشبيه إنما هو في قيام علي على المدينة في فترة غياب الرسول صلى الله عليه وسلم عنها في هذه الغزوة فقط، فقد أقام صلى الله عليه وسلم غيره على المدينة في غير هذه الغزوة.
(قال سعيد: فأحببت أن أشافه بها سعدا، فلقيت سعدا، فحدثته بما حدثني عامر، فقال: أنا سمعته. فقلت: آنت سمعته؟ فوضع إصبعيه على أذنيه، فقال: نعم، وإلا فاستكتا) أصل الإسناد: عن سعيد بن المسيب عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال ... إلخ، فسعيد استوثق من سعد نفسه ما سمعه من ابنه، وقول سعد "وإلا فاستكتا" بتشديد الكاف، دعاء على أذنيه بالصمم إن لم تكونا سمعتا ما أخبر به أنه سمعه يقال: استك أي انسد، واستكت مسامعه أي صمت.
(أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا) المأمور به محذوف، لصيانة اللسان عنه، والتقدير: أمره بسب علي رضي الله عنه، وكان سعد قد اعتزل الفتنة، [حرب علي مع خصومه] ولعله اشتهر عنه الدفاع عن علي.
(فقال: ما منعك أن تسب أبا التراب)؟ معطوف على محذوف، والتقدير: أمر معاوية سعدا أن يسب عليا، فامتنع، فقال له: ما منعك؟
ويحاول النووي تبرئة معاوية من هذا السوء، فيقول: قال العلماء: الأحاديث الواردة التي في ظاهرها دخل على صحابي يجب تأويلها، قالوا: ولا يقع في روايات الثقات إلا ما يمكن تأويله، فقول معاوية هذا ليس فيه تصريح بأنه أمر سعدا بسبه وإنما سأله عن السبب المانع له من السب، كأنه يقول هل امتنعت تورعا؟ أو خوفا؟ أو غير ذلك؟ فإن كان تورعا وإجلالا له عن السب، فأنت مصيب محسن، وإن كان غير ذلك فله جواب آخر، ولعل سعدا كان في طائفة يسبون، فلم يسب معهم وعجز عن الإنكار عليهم، فسأله هذا السؤال قالوا: ويحتمل تأويلا آخر أن معناه: ما منعك أن تخطئه في رأيه واجتهاده؟ وتظهر للناس حسن رأينا واجتهادنا، وأنه أخطأ اهـ.
وهذا تأويل واضح التعسف والبعد والثابت أن معاوية كان يأمر بسب علي، وهو غير معصوم، فهو يخطئ، ولكننا يجب أن نمسك عن انتقاص أي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسب علي في عهد معاوية صريح في روايتنا التاسعة.
(أما ما ذكرت ثلاثا - قالهن له رسول الله صلى الله عليه وسلم - فلن أسبه)"ما ذكرت" بضم التاء للمتكلم، و"ما" ظرفية دوامية والمعنى لا أسبه مدة ذكري لثلاث، طالما أنا أذكر ثلاثا.
(لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم) اللام في جواب قسم محذوف،