فأمره بالبيعة، فاخرجوا على اسم الله تعالى فبايعوه، فثار المسلمون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعوه على أن لا يفروا، وعلى الموت أو النصر، كانت هذه البيعة تحت شجرة، فأنزل الله تعالى فيها {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم}[الفتح: ١٠] ونزل {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} ولما علمت قريش بالبيعة خافوا، وأرسلوا عثمان رضي الله عنه. وكان بعد ذلك صلح الحديبية المشهور.
ولما كان الله قد وعد المؤمنين بأن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، ولما كان هؤلاء المبايعون قد باعوا أنفسهم كانت لهم الجنة، وكان قوله صلى الله عليه وسلم "لا يدخل النار - إن شاء الله - من أصحاب الشجرة أحد، أي الذين بايعوا تحتها". رضي الله عنهم أجمعين.
-[المباحث العربية]-
(لا يدخل النار -إن شاء الله- من أصحاب الشجرة أحد) قال العلماء: معناه لا يدخلها أحد منهم قطعا، كما صرح به في حديث حاطب السابق، وإنما قال:"إن شاء الله" للتبرك، لا للشك.
(قالت حفصة: بلى يا رسول الله) قال أهل اللغة: "بلى" حرف جواب، وتختص بالنفي، وتفيد إبطاله، سواء كان مجردا. نحو {زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى}[التغابن: ٧] أو مقرونا بالاستفهام، حقيقيا، أو توبيخا، أو تقديريا.
فمعنى جواب حفصة، رضي الله عنها، هنا أن أصحاب الشجرة يدخلون النار، ولو تحله .. القسم، لقوله تعالى:{وإن منكم إلا واردها}[مريم: ٧١].
(فانتهرها) لأن ظاهر جوابها أنها ترد الخبر، فأبانت أنها لا ترد الخبر، فإنهم لا يدخلونها وإن وردوها، فبين صلى الله عليه وسلم أن ورودهم ليس دخولا، وإنما هو قرب، ينجي عنده من ينجي، لقوله تعالى {ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا}[مريم: ٧٢].
-[فقه الحديث]-
١ - فيه منقبة عظيمة لأصحاب شجرة الرضوان.
٢ - وفيه جواز المناظرة والاعتراض على وجه الاسترشاد.
٣ - وفيه أن ورود النار غير دخولها. قال النووي: والصحيح أن المراد بالورود في الآية المرور على الصراط، وهو جسر منصوب على جهنم، فيقع فيها أهلها، وينجو الآخرون.