للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

-[المباحث العربية]-

(كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان) أي لا ينظرون إليه نظرة رضا، أي بعد إسلامه، لما لابس تاريخه في الكفر من عداوة للإسلام ورسوله.

(ولا يقاعدونه) نفورا من مجالسته، استصحابا لماضيه.

(ثلاث أعطنيهن) أي تكرم علي بثلاث مكرمات.

(قال: نعم) أي سأتكرم عليك بما تطلب. فاسأل.

(عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان، أزوجكها. قال: نعم) كان الأصل أن يقول: وأجملهم، لكن العرب يتكلمون بها مفردا، قال النحويون: معناه: وأجمل من هناك.

قال النووي: اعلم أن هذا الحديث من الأحاديث المشهورة بالإشكال، ووجه الإشكال أن أبا سفيان إنما أسلم يوم فتح مكة، سنة ثمان من الهجرة، وهذا مشهور، لا خلاف فيه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد تزوج أم حبيبة قبل ذلك بزمان طويل، قال الجمهور: تزوجها سنة ست، وقيل: سنة سبع، قال القاضي عياض: واختلفوا أين تزوجها؟ فقيل: بالمدينة، بعد قدومها من الحبشة، وقال الجمهور: بأرض الحبشة، قال: واختلفوا فيمن عقد له عليها هناك، فقيل: عثمان، وقيل: خالد بن سعيد بن العاص بإذنها، وقيل: النجاشي، لأنه كان أمير الموضع وسلطانه، قال القاضي: والذي في مسلم هنا أنه زوجها أبو سفيان غريب جدا، وخبرها مع أبي سفيان حين ورد المدينة في حال كفره مشهور.

وقال ابن حزم: هذا الحديث وهم من بعض الرواة، لأنه لا خلاف بين الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أم حبيبة قبل الفتح بدهر، وهي بأرض الحبشة، وأبوها كافر، وفي رواية عن ابن حزم أيضا أنه قال: هذا الحديث موضوع، قال: والآفة فيه عن عكرمة بن عمار، الراوي عن أبي زميل، وأنكر الشيخ أبو عمرو بن الصلاح - رحمه الله تعالى - هذا على ابن حزم، وبالغ في الشناعة عليه، قال: وهذا القول من جسارته، فإنه كان هجوما على تخطئة الأئمة الكبار، وإطلاق اللسان فيهم. قال: ولا نعلم أحدا من أئمة الحديث نسب عكرمة بن عمار إلى وضع الحديث، وقد وثقه وكيع ويحيى بن معين وغيرهما، وكان مستجاب الدعوة، قال: وما توهمه ابن حزم من منافاة هذا الحديث لتقدم زواجها غلط منه وغفلة، لأنه يحتمل أنه سأله تجديد عقد النكاح، تطييبا لقلبه، لأنه كان ربما يرى عليها غضاضة من رياسته ونسبه، أن تزوج بنته بغير رضاه، أو أنه ظن أن إسلام الأب في مثل هذا يقتضي تجديد العقد، وقد خفي أوضح من هذا على من هو أكبر مرتبة من أبي سفيان، ممن كثر علمه، وطالت صحبته. هذا كلام أبي عمرو - رحمه الله - وليس في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم جدد العقد، ولا قال لأبي سفيان: أنه يحتاج إلى تجديده، فلعله صلى الله عليه وسلم أراد بقوله: نعم. أن مقصودك يحصل، وإن لم يكن بحقيقة عقد. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>