قال الخطابي: ضرب مثلا بالكرش، لأنه مستقر غذاء الحيوان الذي يكون به بقاؤه، وبالعيبة لأنهم أهل سره وخفي أحواله. اهـ، وقال بعضهم: الكرش أمر باطن، والعيبة أمر ظاهر، فكأنه ضرب المثل بهما في إرادة اختصاصهم بأموره الباطنة والظاهرة.
وفي البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك على المنبر في مرضه الذي مات فيه، وأنه لم يصعد المنبر بعد ذلك اليوم، ولفظه "فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أوصيكم بالأنصار، فإنهم كرشي وعيبتي، وقد قضوا الذي عليهم" يشير إلى ما وقع منهم ليلة العقبة من المبايعة، فإنهم بايعوا على أن يؤوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينصروه، فوفوا بذلك "وبقي الذي لهم، فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم" وفي رواية له "فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد. أيها الناس. إن الناس يكثرون، وتقل الأنصار، حتى يكونوا كالملح في الطعام، فمن ولي منكم أمرا، يضر فيه أحدا، أو ينفعه، فليقبل من محسنهم، ويتجاوز عن مسيئهم".
(وإن الناس سيكثرون، ويقلون) فيه عود الضميرين على مرجعين مختلفين، مذكور أحدهما، والمراد من الناس غير الأنصار، أي فإن غير الأنصار سيكثرون، فتدخل قبائل العرب والعجم في الإسلام، فيكونون أبدا مهما كثر تناسلهم قليلين بالنسبة إلى غيرهم.
(فاقبلوا من محسنهم، واعفوا عن مسيئهم) أي فاقبلوا من محسنهم إحسانه، واشكروه عليه، وجازوه الإحسان بالإحسان، واعفوا عن إساءة المسيء منهم، فلا تعاقبوه على إساءته، اللهم إلا إذا اقتضت الإساءة حدا من حدود الله.
(خير دور الأنصار) أي خير قبائل الأنصار، وكانت كل قبيلة منهم تسكن محلة، فتسمى تلك المحلة دار بني فلان، ولهذا جاء في كثير من الروايات بنو فلان، من غير ذكر الدار.
وفي الرواية العاشرة أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك وهو في مجلس عظيم من المسلمين.
(بنو النجار، ثم بنو عبد الأشهل، ثم بنو الحارث بن الخزرج، ثم بنو ساعدة، وفي كل دور الأنصار خير)"بنو النجار" هم من الخزرج، والنجار هو تيم الله، وسمي بذلك لأنه ضرب رجلا، فنجره، فقيل له النجار، وهو ابن ثعلبة بن عمرو من الخزرج، وهم أخوال جد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن والدة عبد المطلب منهم، وعليهم نزل صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة، فلهم مزية على غيرهم.
(ثم بنو عبد الأشهل) وهم من الأوس، وهو عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج الأصفر، ابن عمرو بن مالك بن الأوس بن حارثة، وهم رهط سعد بن معاذ.
بهذا الترتيب في الرواية السابعة والتاسعة، وبالتعبير بـ "ثم" أما في الرواية الثامنة وفي رواية للبخاري فبالترتيب نفسه، لكن بالواو، فاستنبط منه بعضهم أن الواو قد تأتي للترتيب، والحق أن الترتيب هنا يؤخذ من التقديم والتأخير، لا من الواو، ولا إشكال في هذه الرواية، لكن الإشكال في الرواية العاشرة، ولفظها "بنو عبد الأشهل. قالوا: ثم من يا رسول الله؟ قال: ثم بنو النجار" وقد رجح