بعض، وفضل بعض الرسل على بعض، وفضل بعض الرجال على بعض، وفضل بعض النساء على بعض، ولكل تفضيل جهة فضل، وليست هناك أفضلية من جميع الجهات.
وهذا الحديث يفضل نساء قريش على نساء العرب من زاوية معينة، هي زاوية العطف على الولد، وحسن رعايته وتربيته إذا فقد أباه، وآية هذا الحنان تظهر عند اشتداد الحاجة إليه، وتشتد الحاجة إليه عند فقد المربي الأول، والراعي الأول للأولاد، وهو الأب، وآية حنان الأم، أن تقيم على أولادها، وتمنحهم كل مشاعرها وعطفها، فإن هي تزوجت رجلا غير أبيهم، فقدت بعض عطفها عليهم، بل قد تفقد كل عطفها عليهم.
كما يفضل الحديث نساء قريش من زاوية أخرى هي زاوية رعاية الزوج في ماله، وحفظه في بيته، وحسن تبعله، أما نساء الأنصار، فقد فضلن من زاوية أخرى "نعم النساء نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين".
-[المباحث العربية]-
(خير نساء ركبن الإبل نساء قريش) وفي الرواية الثالثة "صالح نساء قريش" وهذا القيد مراد في الرواية الأولى، قال النووي: ومعنى "ركبن الإبل" نساء العرب. وقال القرطبي: هذا تفضيل لنساء قريش على نساء العرب خاصة، لأنهم أصحاب الإبل غالبا، وقد عرف أن العرب خير من غيرهم مطلقا في الجملة، فكأنه قال: خير النساء نساء قريش، أو صالح نساء قريش. وفي رواية "صلح نساء قريش" بضم الصاد وفتح اللام المشددة، بصيغة الجمع، والمراد بالصلاح هنا صلاح الدين وحسن المخالطة مع الزوج ونحو ذلك.
وفي ملحق الرواية الثانية بيان سبب ورود هذا الحديث، وفيه "أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب أم هانئ بنت أبي طالب فقالت: يا رسول الله، إني قد كبرت، ولي عيال. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير نساء ركبن الإبل ... " ويذكر الحافظ ابن حجر في الإصابة وابن عبد البر في الاستيعاب أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب أم هانئ من أبيها عمه أبي طالب، وكان اسمها فاختة، وقيل: فاطمة، وقيل: هند وهي شقيقة علي، وخطبها في الوقت نفسه هبيرة ابن عمرو بن عائذ المخزومي، فزوج هبيرة، واعتذر للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم فرق الإسلام بين أم هانئ وبين هبيرة، لأن هبيرة لم يسلم، ولما فتحت مكة هرب إلى نجران، وقال معتذرا عن فراره:
لعمرك ما وليت ظهري محمدا ... وأصحابه جبنا ولا خيفة القتل
ولكنني قلبت أمري فلم أجد ... لسيفي غناء - إن ضربت - ولا نبلي
وقفت فلما خفت ضيعة موقفي ... رجعت لعود كالهزبر أبي الشبل
ولما علم هبيرة بإسلام أم هانئ قال فيها شعرا، منه قوله يخاطبها: