للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(يقول أبو هريرة على إثر ذلك: ولم تركب مريم بنت عمران بعيرا قط) يشير بذلك إلى أن "مريم" لم تدخل في هذا العموم، لأنه قيد أصل الفضل بمن يركبن الإبل، ومريم لم تركب بعيرا قط، وقد اعترض بعضهم، فقال: كأن أبا هريرة ظن أن البعير لا يكون إلا من الإبل، وليس كما ظن، بل يطلق البعير على الحمار، وهذا الاعتراض ساقط، لأنه على فرض إطلاق البعير على الإبل وعلى الحمار، فنفي ركوبه يخرج "مريم" من عموم التفضيل. والظاهر أن أبا هريرة علم ذلك عن طريق النبي صلى الله عليه وسلم، فعند أحمد "وقد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مريم لم تركب بعيرا قط".

-[فقه الحديث]-

فهم بعضهم أن أبا هريرة يرى أن مريم أفضل النساء مطلقا، وهذا مقبول على القول بأنها كانت نبية، وقد استدل على أنها كانت نبية بقوله تعالى {واصطفاك على نساء العالمين} [آل عمران: ٤٢] وأنها ذكرت في سورة مريم بمثل ما ذكر به الأنبياء، قالوا: ولا يمنع وصفها بأنها صديقة من كونها نبية، فإن يوسف عليه السلام وصف بذلك مع كونه نبيا، وقد نقل الأشعري أن في النساء نبيات، وجزم ابن حزم بنبيات ست: حواء، وسارة، وهاجر، وأم موسى وآسية، ومريم، ولم يذكر القرطبي سارة ولا هاجر، ونقله السهيلي في آخر الروض عن أكثر الفقهاء، وقال القرطبي: الصحيح أن مريم نبية، وقال عياض: الجمهور على خلافه، وذكر النووي في الأذكار عن إمام الحرمين أنه نقل الإجماع على أن مريم ليست نبية، ونسبه في شرح المهذب لجماعة، وجاء عن الحسن البصري: ليس في النساء نبية، ولا في الجن. وقال السبكي: اختلف في هذه المسألة، ولم يصح عندي في ذلك شيء. اهـ. وإخراج أبي هريرة "مريم" من المفاضلة لا يلزم منه أن تكون أفضل النساء مطلقا، لأن المفاضلة بين راكبات الإبل، والكثيرات من النساء لم يركبن الإبل في سابق العصور ولاحقها، على أن "من" مقدرة، كما ذكرنا سابقا، لأن من اتصفت بذلك فقط لا تكون خير النساء على الإطلاق، فإخراج مريم من المفاضلة لا يمنع من إخراج غيرها، ولا يفيد تفضيل مريم على غيرها من النساء، وقد قالوا في تفسير قوله تعالى: {واصطفاك على نساء العالمين} قالوا: على عالمي زمانها، وقد سبقت المسألة في كتاب فضائل الصحابة أبواب من فضائل خديجة وعائشة وفاطمة رضي الله عنهن.

وفي الحديث منقبة لنساء قريش، وأن غير القرشيات لسن كفئا لهن، واستحباب تخير الزوجة، ذكره الحافظ ابن حجر.

وفي الحديث فضل الحنو والشفقة، وحسن التربية والقيام على الأولاد، وحفظ مال الزوج وحسن التدبير فيه، ومشروعية إنفاق الزوج على زوجته.

والله أعلم

<<  <  ج: ص:  >  >>