الثاني: أن أكثر الناس أهل نقص، وأما أهل الفضل فعددهم قليل جدا، فهم بمنزلة الراحلة في الإبل الحمولة.
وقيل: المعنى أن الزاهد في الدنيا، الكامل في الزهد، الراغب في الآخرة قليل، كقلة الراحلة في الإبل، وحسنه النووي، قال: وأجود منه قول آخرين: إن المرضي الأحوال من الناس، الكامل الأوصاف قليل. وقال القرطبي: الذي يناسب التمثيل أن الرجل الجواد، الذي يحمل أثقال الناس والحمالات عنهم، ويكشف كربهم، عزيز الوجود، كالراحلة في الإبل الكثيرة.
وقال ابن بطال: معنى الحديث أن الناس كثير، والمرضي منهم قليل، وإلى هذا المعنى أومأ البخاري بإدخال هذا الحديث في باب رفع الأمانة.
وقال الخطابي: العرب تقول للمائة من الإبل: إبل، يقولون: لفلان إبل، أي مائة بعير، ولفلان إبلان، أي مائتا بعير.
وقال الراغب: الإبل اسم مائة بعير، فقوله: كإبل مائة - كقولنا: مائة مائة، المراد به عشرة آلاف.
قال الحافظ ابن حجر: والذي يظهر على تسليم قوله، لا يلزم ما قال: إن المراد عشرة آلاف، بل المائة الثانية للتأكيد.
وأشار ابن بطال إلى أن المراد بالناس في الحديث، من يأتي بعد القرون الثلاثة، الصحابة والتابعين وتابعيهم، حيث يصيرون يخونون ولا يؤتمنون. قال الكرماني: لا حاجة لهذا التخصيص، لاحتمال أن يراد أن المؤمنين قليل بالنسبة للكفار.
-[فقه الحديث]-
هذا الحديث في نهاية كتاب المناقب يفيد أمرين:
الأول: أن ما مضى من المناقب والفضائل إنما تتعلق بالدين، لا بالنسب.
الثاني: أن ما ذكر من فضائل شرف ومنقبة، وإن قل في نظر الباحث، فأهل الفضل عددهم قليل جدا، لأن الغثاء كثير.
(إضافة) لم يرتب الإمام مسلم - رحمه الله تعالى - أصحاب الفضائل ترتيبا ما، وكأنه ذكرها عفويا تمهيدا لترتيبها فيما بعد، فلم تتهيأ له فرصة الترتيب، كما حصل له في الغزوات.
أما البخاري فله وجهة نظر في ترتيبه الغزوات والفضائل، رضي الله عنهما وجزاهما عن الإسلام والحديث النبوي خيرا.