محمد تدخل الجنة على صورته، وإدريس في الرابعة لقوله: {ورفعناه مكانا عليا} [مريم: ٥٧] والرابعة من السبع وسط معتدل، وهارون لقربه من أخيه موسى، وموسى أرفع منه لفضل كلام الله، وإبراهيم لأنه الأب الأخير، فناسب أن يتجدد للنبي صلى الله عليه وسلم بلقائه أنس، لتوجهه بعده إلى عالم آخر، وأيضا فمنزلة الخليل تقتضي أن تكون أرفع المنازل، ومنزلة الحبيب أرفع من منزلته. فلذلك ارتفع النبي صلى الله عليه وسلم عن منزلة إبراهيم.
وزاد ابن المنير في مناسبة لقاء إبراهيم في السماء السابعة ما اتفق له صلى الله عليه وسلم من دخول مكة في السنة السابعة، وطوافه بالبيت.
وعندي أن هذه المناسبات كالوردة، تشم ولا تدعك، لأن وضع الأنبياء في هذه السموات غير متفق عليه بين الروايات.
ولقد لوحظ من الروايات بصفة عامة أنها ذكرت بعض الأنبياء خاليا من أي تعليق أو وصف، وأوجزت الوصف أو التعليق للبعض، وأطنبت مع آخرين. وليس لهذا - فيما أرى- أثر في المفاضلة بين الصفوة عليهم الصلاة والسلام.
فمثلا ذكرت يحيى بن زكريا وهارون خاليين من الوصف أو التعليق.
وذكرت آدم [في الرواية الخامسة] وعن يمينه أسودة وعن يساره أسودة فإذا نظر قبل يمينه ضحك، وإذا نظر قبل شماله بكى.
وظاهرها أن أرواح بني آدم من أهل الجنة والنار في السماء، وهو مشكل، لأنه قد جاء أن أرواح الكفار في سجين، وأن أرواح المؤمنين منعمة في عليين، فكيف تكون مجتمعة في سماء الدنيا؟
وأجاب القاضي عياض بأنه يحتمل أنها تعرض على آدم أوقاتا، فصادفت وقت عرضها مرور النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ويدل على أن كونهم في الجنة والنار إنما هو في أوقات دون أوقات قوله تعالى: {النار يعرضون عليها غدوا وعشيا} [غافر: ٤٦].
واعترض ثانيا بأن أرواح الكفار لا تفتح لها أبواب السماء، كما هو نص القرآن، فكيف تكون عن شمال آدم وهو في السماء؟
وأجاب عنه القاضي عياض، فقال: يحتمل أن الجنة كانت في جهة يمين آدم، والنار في جهة شماله، وكان يكشف له عنهما. اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر. يحتمل أن يقال: إن النسم المرئية التي تدخل الأجساد بعد، وهي مخلوقة قبل الأجساد، ومستقرها عن يمين آدم وشماله وقد أعلم بما سيصيرون إليه، فلذلك كان يستبشر إذا نظر إلى من عن يمينه ويحزن إذا نظر إلى من عن يساره، بخلاف التي في الأجساد، فليست مرادة قطعا، وبخلاف التي انتقلت من الأجساد إلى مستقرها من جنة أو نار فليست مرادة أيضا فيما يظهر. اهـ.