(اقتتل غلامان غلام من المهاجرين وغلام من الأنصار) في الرواية الثانية "كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار" والكسع ضرب الدبر والعجيزة بيد أو رجل أو سيف أو غيره وذلك عند أهل اليمن شديد والتعبير عنهما بالغلامين لما أنهما كانا تابعين كخادمين فالمهاجري هو جهجاه بن قيس الغفاري وكان مع عمر بن الخطاب يقود له فرسه والأنصاري هو سنان بن وبرة الجهني حليف الأنصار وكانا على بئر المريسيع يستقيان ومعنى اقتتالهما تضاربهما
(فنادى المهاجر أو المهاجرون يا للمهاجرين ونادى الأنصاري يا للأنصار) قال النووي هو في معظم النسخ "يال" بلام مفصولة في الموضعين وفي بعضها "يا للمهاجرين" و"يا للأنصار" بوصلها وفي بعضها "يا آل المهاجرين" بهمزة ثم لام مفصولة واللام مفتوحة في الجميع وهي لام الاستغاثة والصحيح بلام موصولة ومعناه أدعوا المهاجرين وأستغيث بهم
وقوله "أو المهاجرون" صحيح على اعتبار أن رجلين أو ثلاثة من المهاجرين لحقوه أولا فنادوا معه
(فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم) من خيمته التي كانت قد ضربت قريبة من البئر في غزوة بني المصطلق
(فقال ما هذا دعوى أهل الجاهلية) أي ما هذا النداء وما هذه الاستغاثة أتكون الاستغاثة بألفاظ الجاهلية والعصبية القبلية لا ينبغي أن يحصل هذا بل ينبغي أن تكون الاستغاثة باسم الإسلام ووحدة الإسلام فالاستفهام إنكاري توبيخي وفي الرواية الثانية "ما بال دعوى الجاهلية" أي ما حال دعوى الجاهلية وما شأنها لا ينبغي أن تعود
قال النووي وأما تسميته صلى الله عليه وسلم ذلك دعوى الجاهلية فهو كراهة منه ذلك فإنه مما كانت عليه الجاهلية من التعاضد بالقبائل في أمور الدنيا ومتعلقاتها وكانت الجاهلية تأخذ حقوقها بالعصبات والقبائل فجاء الإسلام بإبطال ذلك وفصل القضايا بالأحكام الشرعية فإذا اعتدى إنسان على آخر حكم القاضي بينهما وألزمه مقتضى عدوانه كما تقرر من قواعد الإسلام
(قالوا لا يا رسول الله) أي ليست دعوة جاهلية ولن نستجيب لها ولن نرجع إليها
(إلا أن غلامين اقتتلا فكسع أحدهما الآخر قال فلا بأس) أي لم يحصل من هذه القصة بأس مما كنت خفته فإنه خاف أن يكون حدث أمر عظيم يوجب فتنة وفسادا وليس المراد رفع كراهة الدعاء بدعوى الجاهلية
(دعوها فإنها منتنة) أي دعوا دعوى الجاهلية لا تلجئوا إليها مهما حصل خلاف ولا تستجيبوا لها إن سمعتموها فإنها قبيحة كريهة مؤذية