(ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس ويقول خيرا وينمي خيرا) قال النووي معناه ليس الكذاب المذموم الذي يصلح بين الناس بل هذا محسن اهـ
وكان حق السياق أن يقول ليس من يصلح بين الناس كذابا مذموما فجاء على أسلوب القلب وهو سائغ
والكذب الإخبار بالشيء على غير ما هو عليه أو عدم مطابقة الخبر للواقع وصيغة المبالغة "كذاب" غير مقصودة بل تشمل الكاذب وإنما ذكرت لأن من هذه مهمته يكثر من الكذب غالبا
و"ينمي" بفتح الياء وكسر الميم أي يبلغ يقال نميت الحديث أنميه إذ بلغته على وجه الإصلاح وطلب الخير فإذا بلغته على وجه الإفساد والنميمة قلت نميته بتشديد الميم كذا قال الجمهور وادعى الحربي أنه لا يقال إلا نميته بالتشديد ووقع في الموطأ "ينمي" بضم الياء
ورواية البخاري "فينمي خيرا أو يقول خيرا" بالشك من الراوي
(قال ابن شهاب ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث) هذه الزيادة مدرجة بين مسلم لمن هي وسيأتي معنى الترخيص ومداه في فقه الحديث
(الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها) الأخيران خصلة واحدة وإلا كانت الخصال أربعا لا ثلاثا
-[فقه الحديث]-
قال الطبري ذهبت طائفة إلى جواز الكذب لقصد الإصلاح وقالوا إن الثلاث المذكورة كالمثال وأجازوا قول ما لم يكن في أمثال هذه المواضع للمصلحة وقالوا الكذب المذموم ما فيه مضرة فما لا مضرة فيه ولو لم يكن فيه مصلحة ليس من الكذب المذموم
وقال الغزالي الكذب من قبائح الذنوب وليس حراما لعينه بل لما فيه من الضرر ولذلك يؤذن فيه حيث يتعين طريقا للمصلحة وتعقب بأنه يلزم أن يكون الكذب مباحا إذا لم ينشأ عنه ضرر وليس كذلك ويجاب عن هذا التعقيب بأن المنع مما لا مصلحة فيه ولا ضرر إنما هو من قبيل سد الذرائع وحسم المادة والتحقيق أنه لا يباح منه إلا ما يترتب عليه مصلحة
وحجة الذين يبيحون الكذب للمصلحة هذا الحديث وقول إبراهيم عليه السلام {بل فعله كبيرهم هذا}[الأنبياء ٦٣] و {إني سقيم}[الصافات ٨٩] و"هذه أختي" وقد سبقت في حديث "لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات" وقول منادي يوسف {أيتها العير إنكم لسارقون}[يوسف ٧٠]