ومن واجب العلماء أن يطيبوا نفوسهم في وقت محنتهم وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه في مناسبة موت بعض أطفالهم ما من مسلم يموت له ثلاثة من الأولاد ذكورا أو إناثا قبل أن يبلغوا الحلم إلا حرم الله عليه النار وأدخله الجنة ورغب الصحابة في زيادة الفضل فقال أحدهم واثنان يا رسول الله قال واثنان ويتأسف السائل بعد انفضاض المجلس على أنه لم يقل وواحد وهو يظن أنه لو قال ذلك لأجيب ووسعته رحمة الله تعالى ولم يكتف صلى الله عليه وسلم بإخبار الرجال بهذه البشرى مع أنه يعلم أنهم سيخبرون بها نساءهم بل خاطب بها النساء في اليوم الذي حدده لوعظهن تقديرا لعواطفهن وشدة حزنهن وعدم تملكهن لمشاعرهن أخبرهن بالثلاثة ليطلب شمول هذا الفضل للاثنين كما فعل الرجال ففعلن وسألن وأجبن بما أجيب به الرجال
وهذا أبو هريرة يسأله مكلوم بفقد ابنه أن يواسيه بما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فقد الأولاد فيجيبه بأن الأطفال الذين يموتون ينتظرون آباءهم يوم القيامة فإذا رأوهم أخذ الواحد منهم بثوب أبيه وأمه يمسك به لا يتركه ويسأل الله أن يشفعه فيهما ويغفر لهما ذنوبهما ويدخلهما معه الجنة فيرحم الله الآباء برحمته للأبناء ويقول لهم خذوا بأيديهم إلى الجنة فقد غفرت لهم برحمتي لكم فيأخذون بأيدي آبائهم إلى الجنة
-[المباحث العربية]-
(لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد) الظاهر أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك للرجال مرة وللنساء مرة ففي الرواية الثانية أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك لنسوة من الأنصار وزاد فيها "فتحتسبه" والاحتساب هنا الصبر والرضا بقضاء الله مع رجاء فضله قال الحافظ ابن حجر وقد عرف من القواعد الشرعية أن الثواب لا يترتب إلا على النية فلا بد من قيد الاحتساب والأحاديث المطلقة محمولة على المقيدة وقال بعضهم يقال في البالغ احتسب ويقال في الصغير افترط لكن قد يستعمل كل مكان الآخر وذكر ابن دريد وغيره احتسب فلان بكذا أي طلب أجرا عند الله وهذا أعم من أن يكون لكبير أو صغير
ولفظ "ولد" يتناول الواحد فصاعدا ويشمل الذكر والأنثى وهل يدخل فيه أولاد الأولاد محل نظر وفي البخاري "ما من الناس من مسلم يتوفى له ثلاث" بحذف التاء من "ثلاثة" وهو جائز لكون المميز محذوفا وقيد "مسلم" و"مسلمين" للاحتراز عن الكافر
وزاد في ملحق الرواية الثالثة "لم يبلغوا الحنث" بكسر الحاء وسكون النون وضبط بفتح الحاء والنون والمحفوظ الأول والمعنى لم يبلغوا الحلم فتكتب عليهم الآثام والحنث في الأصل الإثم والذنب قال تعالى {وكانوا يصرون على الحنث العظيم}[الواقعة ٤٦] وقيل المراد بلغ زمانا يؤاخذ فيه بيمينه إذا حنث قال الراغب عبر بالحنث عن البلوغ لأن الصبي قد يثاب وخص الصغير بذلك لأن الشفقة عليه أعظم والحب له أشد والرحمة له أوفر