من الناس يحن إلى شكله والشرير يميل إلى نظيره فتعارف الأرواح يقع بحسب الطباع التي جبلت عليها من خير أو شر فإذا اتفقت تعارفت وإذا اختلفت تناكرت قال ويحتمل أن يكون إخبارا عن بدء الخلق في حال الغيب على ما جاء أن الأرواح خلقت قبل الأجسام وكانت تلتقي وكانت قسمين متقابلين قسم السعادة وقسم الشقاوة فلما بثت في الأجساد متفرقة تعارفت وتناكرت على ما كانت عليه في الحال الأولى على ما سبق من العهد المتقدم اهـ فالتعارف والتناكر على الرأي الأول مبني على أخلاق وصفات وتصرفات في الدنيا والتعارف والتناكر على الرأي الثاني مبني على ما خلقت عليه الأرواح في الغيب قبل خلق الأجسام ويرد عليه أن بعض المتنافرين قد يتفقا وأن بعض المتفقين قد يتناكرا ولو كان الأمر مرتبطا بأصل الخلقة ما حصل التغير فالرأي الأول أولى وأن التنافر والتعارف يبني على أفعال وأوصاف مكتسبة وقد يقتضي وصف مكتسب انقلاب التعارف إلى تناكر أو انقلاب التناكر إلى تعارف وقد ظهر هذا بوضوح في الأعداء قبل الإسلام الذين صاروا أحبة بعد الإسلام وبالأحبة قبل الإسلام الذين صاروا أعداء بعد الإسلام
قال القرطبي الأرواح وإن اتفقت في كونها أرواحا تتمايز بأمور مختلفة تتنوع بها فتتشاكل أشخاص النوع الواحد وتتناسب بسبب ما اجتمعت عليه من المعنى الخاص ولذلك نشاهد أشخاص كل نوع تألف نوعها وتنفر من مخالفها ثم إنا نجد بعض أشخاص النوع الواحد يتآلف وبعضها يتنافر وذلك بحسب الأمور التي يحصل بها الاتفاق والنفور
-[فقه الحديث]-
قال ابن الجوزي يستفاد من هذا الحديث أن الإنسان إذا وجد من نفسه نفرة ممن له فضيلة أو صلاح وجب عليه أن يبحث عن المقتضى لذلك وأن يسعى في إزالته حتى يتخلص من الوصف المذموم وكذلك القول في عكسه اهـ
وفي الحديث الحث على مصاحبة الأخيار وأهل الصلاح وحبهم ليحبوه ولن يكون ذلك إلا بالعمل الذي يرضونه والتخلق بمثل أخلاقهم