وقوله في الرواية الثالثة "إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكا فصورها وخلق سمعها وبصرها ... " المراد به الملك الثاني أيضا وفي الكلام محذوف وطي تقديره إذا مر ثنتان وأربعون ليلة تحولت النطفة إلى علقة فإذا مر على العلقة أربعون ليلة تحولت العلقة إلى مضغة فإذا شاء الله أن يخلق المضغة بعث إليها ملكا ... إلخ و"خلق" بفتح الخاء وتشديد اللام المفتوحة والفاعل يعود على الله أو على الملك بأمر الله
ومثل هذا يقال في الرواية الرابعة وتقدير المطوي فيها إن النطفة تقع في الرحم أربعين ليلة ثم تتحول إلى علقة ثم تتحول إلى مضغة ثم يتصور عليها الملك الذي يخلقها ... إلخ
ويحاول النووي توجيه الروايات والجمع بينها على أساس الملك الواحد حتى في الرواية الخامسة فيجعل في الكلام طيا وحذفا في بعضها كما ذكرنا عن الملك الثاني ويجعله هو الوحيد وجمع بعضهم بأن الكتابة تقع مرتين إحداهما في صحيفة والأخرى على جبين المولود ويحاول القاضي عياض توجيه الروايات على أساس الملك الواحد لكنه ينحو نحوا آخر فيقول عن الرواية الرابعة ليس الكلام على ظاهره ولا يصح حمله على ظاهره بل المراد بتصويرها وخلق سمعها ... إلى آخره أنه يكتب ذلك ثم يفعله في وقت آخر لأن التصوير عقب الأربعين الأولى غير موجود في العادة وإنما يقع في الأربعين الثالثة وهي مدة المضغة كما قال الله تعالى {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما}[المؤمنون ١٢ - ١٤] ثم يكون للملك فيه تصوير آخر وهو وقت نفخ الروح عقب الأربعين الثالثة حين يكمل له أربعة أشهر ولا تنفخ الروح إلا بعد تمام التصوير
هذا كلام القاضي وتبعه النووي وغيره ويرد عليه تعدد سؤال الملك عن أشياء قد أجيب عنها كما يرد عليه خروجه بالصحيفة والتعبير بيرسل ويبعث مع أنه موكل بالرحم والله أعلم
(ويؤمر بأربع كلمات يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد)"يكتب رزقه" بالياء في أوله على البدل من "أربع" بإعادة حرف الجر وضبط "يكتب" بياء المضارع وقوله "شقي أو سعيد" مرفوع خبر مبتدأ محذوف أي وهو شقي أو سعيد والذي يكتب أحد الأمرين فالأوامر أربعة لا خمسة والعدد لا مفهوم له ففي بعض الروايات ما يزيد الكلمات المكتوبات عن أربع ففي الرواية الثانية "أذكر أو أنثى فيكتبان ويكتب عمله وأثره" وقد يحمل الأثر على الشقاوة أو السعادة وفي الرواية الرابعة "أسوي أو غير سوي" وفيها "ما خلقه" بضم الخاء واللام والمراد بالكلمات القضايا المقدرة وكل قضية تسمى كلمة وفي رواية للبخاري "فيؤمر بأربعة" بحذف المعدود
والمراد من كتابة الرزق تقديره قليلا أو كثيرا وصفته حراما أو حلالا زاد في الرواية الثانية "ثم تطوى الصحف فلا يزاد فيها ولا ينقص" وفي الرواية الثالثة "ثم يخرج الملك بالصحيفة في يده فلا يزيد على ما أمر به ولا ينقص"